responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 316
أدواره ودهوره. هل تقولون إنهم مشتركون في كل خلق، وفي كل عمل وفي كل تدبير في جميع العالم وفي جميع العالم وفي جميع الأحوال وجميع الأزمان. مهما تنزلنا إلى المحال وتساهلنا في وجوب الوجود واستقامة التعليل فلا بد في فرض تعدد الآلهة من أن يكون كل واحد من الآلهة الموهومة غير كامل في مقام الإلهية. وذلك لأجل احتجابه عن الكمال الإلهي بالجزء المميز له عن الفرد الآخر. ذلك الجزء الذي لا يمكن أن يكون من مقام الإلهية لأنه لو كان من مقام الإلهية المشتركة لما كان مميزا في اشتراكها. إذن فلا بد من أن تختلف علوم هذه الآلهة وأميالها وإرادتها وقدرتها ورحمتها وغضبها وعدلها بحسب طباع تلك الأجزاء المميزة المتباينة.

والمفروض أنهم ليس لكل منهم كمال إلهي تام يوحدهم. ولا عليهم سلطة سياسة تنظم أمرهم، ولا تسديد من تسديد إله كامل في الإلهية فوقهم، ولا حاجة في كيانهم وبقاءهم إلى مخلوقهم واستقامة نظامه وبقائه لكي يحافظوا على ذلك فيتنازل كل منهم عن معلوماته وأمياله وإراداته وأعمال قدرته ورحمته وغضبه فينقاد إلى جهل صاحبه وضعفه وتساهله أو شدته. ولا تهديد يلجئهم إلى هذا التنازل لأجل التحزب وعقد الجمهورية الزمنية للمحافظة على كيان اجتماعهم من خطر التهديد المحدق بهم. وعلى هذا فإن فرضناهم مشتركين في خلق جميع العالم وجميع مخلوقاته وتدبيره في أطواره وانتظامه في أدواره لم يستقم للعالم نظام ولا للموجودات بقاء ولا للطبائع والجبلات ناموس. وهذا هو مرمى الاحتجاج بقوله تعالى في الآية الثانية والعشرين من سورة الأنبياء المكية: (لو كان فيهما) يعني السماء والأرض (آلهة إلا الله لفسدتا) أي غير الله يكونون آلهة مثله وفي قباله بدون أن تكون عليهم سيطرة خالقية إلهية (فسبحان الله رب العرش عما يصفون). وإن فرضنا اختصاص كل واحد بقسم من المخلوقات في خلقه وحفظ بقائه وتدبيره شؤونه في أطواره وأدواره لم يستقم للعالم أيضا نظام ولا للمخلوقات بقاء ولا للطبايع والجبلات ناموس.

فإنا نرى اشتباك العالم بالعلائق وارتباط الموجودات بالتأثير واقتران الطبايع في النواميس وتشابكها في التوليد وتركب الموجودات في الخلق. وهذا هو مرمى الاحتجاج في قوله تعالى في الآية الواحد والتسعين من سورة المؤمنون المكية (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق) حسب ما يقتضيه علمه وإرادته وميله وقوته وغضبه وعدم الموحد له مع الآلهة الأخرى في الرأي والعمل كما ذكرنا فينحل نظام الكائنات ويبطل ناموس التكوين (ولعلا بعضهم على بعض) فإنه لا داعي لتنازل العالم للجاهل والقوي للضعيف والمغضب للراضي والراضي للمغضب في كل موارد الاختلاف والاختصاص (سبحان الله) وتقديسا وتنزيها لشأنه العظيم (عما يصفون) بأوهامهم من نسبة الولد والشريك له، فإنه وصف لا يبقى معه للإلهية شرف ولا كمال ولا معنى معقول ولا لوجوب الوجود حقيقة، ولا لنظام العالم بقاء.

ولا تحسب أن من يؤله الجماد والحيوان وأجرام الكواكب يقول بإلاهيتها بما هي جماد لا حياة فيه أو بما هي حيوان ناقص الشعور بل يجعل لها مما وراء الحس شيئا من صفات الإلهية من الحياة والعلم والقدرة والتصرف والتدبير كما هو شأن الوثنيين. فالقرآن الكريم جاري بحجته هذه بساطة أفهامهم التي يستلفتها من جانب المحسوسات والتجارب في الطباع المحجوبة بنقص الجسمانية والمادية عن الكمال التام الإلهي حيث لا يكون لها تعليم موحد ولا مانع عن الاختلاف. وبقيام الحجة على أن القرآن الكريم كلام إلهي يتجسم هذا البرهان في الحس والوقوع. فيقال إن هذا إله ينفي شركاءه فلو كان هناك شريك لثار الجدال والانتصار للشرف والدفاع عن الحقوق فاستولى الفساد والانحلال على العالم في هذه الحرب العمومية الإلهية. يا عمانوئيل يطول تعجبي من أصحابك النصارى.

هذه كتبهم التي اتفقوا على أنها وحي الله تصرف بأن المسيح عيسى (ع) مخلوق لله ففي صراحة العدد الخامس عشر من الفصل الأول من رسالة كولوسي إنه بكر كل خليقة وفي العدد الرابع عشر من الفصل الثالث من رؤيا يوحنا إنه بداية خليقة الله.. وإنه يلتجئ إلى الله في مهماته ويدعوه ويتضرع له. فانظر العدد الرابع عشر والخامس عشر من الفصل الحادي عشر من إنجيل يوحنا. ويستغيث إلى الله في دفع الموت عنه. أنظر في الفصل السادس والعشرين من متى والرابع من مرقس والثاني والعشرين من لوقا. وفي السابع والعشرين من متى والخمس عشر من مرقس أنه استغاث بالله على الصليب قائلا إلهي إلهي لماذا تركتني.

اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 316
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست