responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 315

هذا حال الانسان الأثيم وقد احتج عليه إله الحق ووبخه على التقهقر التعيس في النكوص إلى تيه الضلال من نصف الطريق الواضح. فقال جل اسمه في الآية السابعة والثمانين في سورة الزخرف المكية: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) جريا على فطرتهم في الوقوف بتعليل الخلق على واجب الوجود الذي اسمه المقدس الخاص به في العربية (الله) كما يسمى في كل لغة باسم خاص به مقدس. فإنه مهما غاب عن الانسان شئ فإنه لا يغيب عنه كونه حادثا بعد عدمه ينادي وجود مجموعه وأجزائه بخلقته على الحكمة وقصد الغاية. فلا بد له من تعليل وجوده بخلقة الله إذن (فأنى يؤفكون) ومن أين جاءهم إفك الضلال بتعدد الآلهة وكيف يجمعون بين الانخداع لإفك الشرك وتقديس الله بوجوب الوجود والكمال الإلهي: وقال تعالى في سورة العنكبوت المكية الآية 61 و 63: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله) على نعمه وظهور الحق وقيام الحجة ولله الحجة البالغة (بل أكثرهم لا يعقلون). وجاء نحو هذا الاحتجاج أيضا في الآية الرابعة والعشرين من سورة لقمان المكية، والتاسعة والثلاثين من سورة الزمر المكية..

وقال جل اسمه في سورة النمل المكية من الآية التاسعة والخمسين إلى السادسة والستين (الله) الذي يعرفونه ويعترفون بأنه الإله الخالق (خير أم ما يشركون) ويجعلونه إلها مع الله مما لا يقدرون أن يجعلوه واجب الوجود. بل ينتج من ضلال شركهم وقولهم بتعدد الآلهة أنهم لا يقدرون أن يصفوا واحدا بوجود الوجود. هذه المخلوقات التي تشركون بها هل تدعون أو تقيمون الحجة على أنها خلقت شيئا. أو أفادت في العالم نفعا (أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة) بعد أي كانت أرضا قفراء موحشة و (ما كان لكم) وبطافتكم (أن تنبتوا شجرها) أفليست الحجة قد دلت على أن الخالق العليم هو الله واجب الوجود. واعترفت الناس وأقرت به. إذن فكيف يشرك المشركون وأنى لهم بوجوب الوجود مع الاشتراك (ءإله مع الله بل هم قوم يعدلون) عن الحق إلى الباطل وعن العلم إلى الجهل وعن سداد الحجة إلى وهن الأغاليط (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي) من الجبال تنفذ منها النار السيارة في الأرض لمنافعها فتكون الرواسي بحكمتها واقية للأرض من الميدان بالزلزال ومخففة لوطأته (وجعل بين البحرين حاجزا) من القدرة يبقى معه العذب على عذوبته والملح على ملوحته والتيار على جريانه والراكد على ركوده. أفلا يعترف المشركون أن الجاعل لذلك هو الله الواجب الوجود بل أنهم ليعترفون. إذن فكيف يشركون (إله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) ولا يهتدون إلى رشدهم في العلم وأتباع الحجة، تشذ بهم الأوهام وتقلبهم التقاليد على أعقابهم. ألا، وإن لكل بشر حالات وأوقات تفر بها نفسه إلى الله مولاها فتلتجئ به في حاجاتها وشدائد اضطرارها وكثيرا ما يفرج عنها وهي عارفة بنجاح التجائها وإجابة سؤلها حتى إذا تمتعت بالفرج زمانا نسيت النفوس ذلك التوجه وذلك الالتجاء وتلك الاجابة.

أفلا يعتبر المشركون بتلك الحالات إذ يرون نفوسهم تفر إلى مولى واحد لا تنزل حاجتها إلا بساحة رحمته ولا ترى نجاحها إلا منه. فما الذي أغفلهم عن ذكر ذلك والتبصر به في جميع الأحوال. أفلا ينظرون إلى من تلتجئ نفوسهم عند شدائد الاضطرار (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) في طبقات خلقكم وفنائكم تتعاقبون خلفا بعد سلف تقعدون مقاعد الماضين وتتمتعون بأموالهم التي كدوا فيها ومنازلهم التي تعبوا في عماراتها ورياساتهم التي اغتروا بها (إله مع الله) ولو أحسنتم التذكر والتبصر في جميع أوقاتكم بحالات نفوسكم عند اضطراراتها ونجاح التجائها رغما على الأسباب العادية وصدق عرفانها بمولاها في تلك الأحوال التي تتخلص فيها النفوس من أسر الأهواء وتتوجه بحرية فطرتها إلى الله لما اختلجت في عرفانكم الشكوك ولا طمعت فيكم غواية الأهواء وأوهام الشرك ولكنكم (قليلا ما تذكرون * أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) بدلالة الكواكب التي خلقها (ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته) يسخر بها السحاب ليغيثكم برحمة مطره أفلستم تعرفون الله (أإله مع الله تعالى الله عما يشركون) وتقدس بوجوب وجوده وكماله الإلهي. ويا أيها الذين يؤمنون بالمعاد والقيامة بعد الموت (أمن يبرأ الخلق) كما ترون حدوث الكائنات في الخلق طبقة طبقة وفنائها طبقة طبقة (ثم يعيده) في أنواع الكائنات على أحسن تماثل وأتم تناسب في طبقاتها ومواليدها ويعيدها في أشخاص الانسان من بعد الموت كما تعترفون به وتنسبون الخلق إلى الله واجب الوجود (ومن يرزقكم من السماء والأرض) ما به قوام حيوتكم (أإله مع الله) الذي تعرفونه

وتعترفون به وبأنه الخالق وكاشف الضر ومدبر الأمور فأين تذهب بكم الأوهام (قل) لهم يا مجادلهم سامحناكم عن كون تعدد الآلهة من الأوهام المستحيلة وأن الإلهية وكمالها ووجوب الوجود منافية لتعدد الآلهة. لكن ما هي حجتكم على شرككم وإلهية من تدعونه شريكا لله؟ ولا نطالبكم بأن كلما تدعونه إلها مع الله هو رهن لدلائل الحدوث والحاجة إلى الإله الخالق. نغض الطرف عن ذلك لكن هل تكون دعواكم مقدسة لا يسأل عن برهانها. هيهات (هاتوا ببرهانكم إن كنتم صادقين) وما هو برهانهم. هل يقدرون أن يقيموا الحجة الكافية على أن من يدعونهم آلهة مع الله قد خلقوا خلقا بقدرتهم الذاتية الإلهية في مقابل قدرة الله وخلقه. من أين تكون لهم الحجة على ذلك. قال الله جل اسمه في الآية الأربعين من سورة فاطر المكية (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني) بعلم اليقين (ماذا خلقوا من) عالم (الأرض أم لهم شرك في) عالم (السماوات) وخلقه (أم أتيناهم كتابا) يكون لهم وثيقة بالاعتراف باشتراكهم في الخلق في خلق شئ من الأرض والسموات (فهم) بهذا الكتاب وهذه الوثيقة الاعترافية بالاشتراك في الخلق (على بينة منه) وأين يكون ذلك؟ بل (إن يعد الظالمون بعضهم بعضا) في واهيات الشرك وخرافاته (إلا غرورا) وجاء نحو ذلك في الآية الثالثة من سورة الأحقاف المكية والآية السابعة عشر من سورة الرعد المكية. هؤلاء الآلهة المتعددون بالفرض المستحيل ماذا تفرضون لهم أيها المشركون من الحال بالنسبة إلى خلق العالم وتدبيره وارتباط مخلوقاته وأطواره، وانتظامه في

اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 315
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست