وكان علماء المسلمين على مرور الدهور والأعصار يجاملونهم ولا يناضلونهم، ويحاسنونهم ولا يخاشنونهم، ويعترفون لهم ان المسيح الذي يعبدونه هو الذي مجَّده القرآن الكريم، وعظَّمه النبي العظيم، وقدسه كتاب الوحي العربي، وعرف مقامه الى الشرقي والغربي، وهذا هو الذي أَمدّهم في طغيانهم يعمهون، واطغاهم فصاروا يشتمون ويسبون، على حدّ قوله:
إذا انت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وكنت في ربيع العمر ومقتبل الشباب قد ولعتُ بالنظر في الأديان وكتب الوحي وحصلت على حقيقة تدعمها الأدلة عندي والبراهين.
ولم اجد أحداً من علماء المسلمين قد التفت إليها أو حام حولها أو أومى عليها على كثرة ما كتبوا من الجدل والمناظرات وإقامة الحجج والبينات، وتعداد مساوي ما سوى الاسلام من السيئات، والأكاذيب والمطاعن والخرافات، ولكنني كنت سحابة ما تصرَّم من عمري اتحايد عن نشر هذه الحقيقة واحرص على كتمانها مجاملةً مع القوم واخلاداً إلى المسالمة، واللين والمناعمة، ورغبة عن الشذوذ عما جرى عليه عامة المسلمين من أول الإسلام إلى اليوم.
ثم لما رأيت ان الشر قد استشرى والخطب قد استفحل، والداء قد اعضل، انتبهتُ الى حكمة القائل (ولكنَّ دفع الشر بالشر احزم) وعرفت صواب نظرية ذلك الهزبر الباسل[1] (وحلم الفتى في غير موضعه جهل).
نعم، وهي لا تعدم شاهداً لها من الكتاب والسنة (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[2] وقوله سلام الله عليه (ردّ الحجر من حيث جاء فان الشر لا يدفعه إلاّ الشر).