أصليها لإله السماء، قلت: و هل للسماء إله سوى اللات و العزى؟ قال:
فانتفض و انتقع لونه قال: إليك عني يا أخا إياد، إن للسماء إلها عظيم- قال: فذهلت عن البعير و اكتنفني السرور، و لاح الصبح، و اتسع الإيضاح، فتركت الموراء، و أخذت الجبل، فإذا أنا بالفنيق يستنشق النوق، فملكت خطامه، و علوت سنامه، فمرج طاعة و هززته ساعة، حتى إذا لغب و ذل منه ما صعب، و حميت الوسادة، و بردت المزادة، فإذا الزاد قد هش له الفؤاد! تركته فترك، و أذنت له فبرك، في روضة خضرة نضرة عطرة، ذات حوذان و قربان و عنقران و عبيثران و جلي و أقاح و جثجاث و برر، و شقائق و نهار كأنما قد بات الجو بها مطيرا، و باكرها المزن بكورا، فخلالها شجر، و قرارها نهر، فجعل يرتع أبّا، و أصيد ضبّا، حتى إذا أكلت و أكل! و نهلت و نهل، و عللت و عل- حللت عقاله، و علوت جلاله، و أوسعت مجاله، فاغتنم الحملة و مر كالنبلة، يسبق الريح، و يقطع عرض الفسيح، حتى أشرف بي على واد و شجر، من شجر عاد مورقة مونقة، قد تهدل أغصانها كأنما بريرها حب فلفل، فدنوت فإذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة بيده قضيب من أرك ينكت به الأرض و هو يترنم بشعر، و هو:
يا ناعي الموت و الملحود في جدث * * * عليهم من بقايا بزهو خرق
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم * * * فهم إذا أنبهوا من نومهم فرقوا
حتى يعود و الحال غير حالهم * * * خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهم عراة و منهم في ثيابهم * * * منها الجديد و منها المنهج الخلق
قال: فدنوت منه فسلمت عليه فرد السلام، و إذا بعين خرارة، في أرض خوارة، و مسجد بين قبرين، و أسدين عظيمين يلوذان به، و يتمسحان بأثوابه، و إذا أحدهما يسبق صاحبه إلى الماء فتبعه الآخر و طلب الماء، فضربه بالقضيب الذي في يده، و قال: ارجع، ثكلتك أمك، حتى يشرب الذي ورد-