الجبل فإذا أنا به واقف يصلي بين قبرين، فلما انفتل من صلاته، قلت:
أنعم صباحك يا قس، ما هذه الصلاة التي لا تعرفها العرب؟، قال:- فقال: خرجت في الجاهلية أطلب بعيرا لي شرد مني، كنت أقفو أثره و أطلب خبره، في نتائف حقائف، ذات دعادع و زعازع، ليس بها للركب مقيل، و لا لغير الجن سبيل، و إذا أنا بموئل مهول في طود عظيم ليس به إلا البوم، و أدركني الليل فولجته مذعورا لا آمن فيه حتفي، و لا أركن إلى غير سيفي، فبت بليل طويل، كأنه بليل موصول، أرقب الكوكب، و أرمق الغيهب، حتى إذا الليل عسعس، و كاد الصبح أن يتنفس، هتف بي هاتف يقول:
يا أيها الراقد في الليل الأحم * * * قد بعث اللّه نبيّا في الحرم
من هاشم أهل الوفاء و الكرم * * * يجلو دجنات الدياجي و البهم
قال: فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا و لا سمعت له فحصا، فأنشأت أقول:
يا أيها الهاتف في داجي الظلم * * * أهلا و سهلا بك من طيف ألم
بيّن هداك اللّه في لحن الكلم * * * ما ذا الذي تدعو إليه يغتنم
قال: فإذا أنا بنحنحة، و قائل يقول: ظهر النور، و بطل الزور و بعث اللّه محمدا (صلى الله عليه و سلم) بالحبور، صاحب النجيب الأحمر، و التاج و المغفر، ذو الوجه الأزهر، و الحاجب الأقمر، و الطرف الأحور، صاحب قول شهادة: أن لا إله إلا اللّه، فذلك محمد المبعوث إلى الأسود و الأبيض، أهل المدر و الوبر، ثم أنشأ يقول:
الحمد للّه الذي لم يخلق الخلق عبث * * * لم يخلنا حينا سدى من بعد عيسى و اكترث
أرسل فينا أحمدا خير نبي قد بعث * * * صلى عليه اللّه ما حج له ركب و حث