الشأن، زخرفها و كوكبها، و بالشمس أشرقها، و بالأرض صميم الأديم الزاخر سطحها، ليس له كيفية، و لا أينية و لا كيموسية و لا كيفوية، أظلم الليل، و أضاء النهار، يسلك بعضهم في بعض كيف يشاء.
فقلت له: لم تجد موضعا تصلي فيه إلا في هذا الموضع؟
قال: ما أجد أحدا يقول لا إله إلا اللّه إلا صاحبي هذين القبرين، و إنما أنتظر ما أصابهما، ثم ذكر أيامهما و بكى، ثم جعل يقول:
خليلي هبا طالما قد رقدتما * * * أجدكما لا تقضيان كراكما
- قبلك، ثم ورد بعده، فقلت له: ما هذا القبران؟ فقال: هذان قبرا أخوين لي كانا يعبدان اللّه تعالى، معي في هذا المكان، لا يشركان باللّه شيئا، فأدركهما الموت فقبرتهما، و ها أنا بين قبريهما، حتى ألحق بهما، ثم نظر إليهما، فتغرغرت عيناه بالدموع، فانكب عليهما و جعل يقول:
خليليّ هبّا طالما قد رقدتما * * * أجدكما لا تقضيان كراكما
أ لم تريا أني بسمعان مفرد * * * و ما لي فيه من خليل سواكما
مقيم على قبركما لست بارحا * * * طوال الليالي أو يجيب صداكما
أبكيكما طول الحياة و ما الذي * * * يرد على ذي لوعة إن بكاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعيا * * * كأن الذي يسقي العقار سقاكما
كأنكما و الموت أقرب غاية * * * بروحي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس امرئ فداها * * * لجدت بنفسي أن تكون فداكما
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم): رحم اللّه قسا، و إني لأرجو أن يبعثه اللّه أمة وحده.
قوله: «و لا كيموسية»:
الكيموس في عبارة الأطباء: الطعام المهضوم في المعدة قبل أن يخرج منها فيصير دما، و هي هنا بمعنى الحاجة إلى الطعام، قاله ابن منظور.