سمعت من محمد؟ فقال: ما ذا سمعت؟ تنازعنا نحن و بنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، و حملوا فحملنا، و أعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، و كنا كفرسي رهان، قالوا: لنا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ و اللّه لا نؤمن به أبدا و لا نصدقه [1].
و كان أبو جهل يقول: يا محمد إنا لا نكذبك و لكن نكذب بما جئت به، فأنزل اللّه:
فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ[2].
و غمزه الكفار يوما ثلاث مرات، فقال في الثالثة: يا معشر قريش، جئتكم بالذبح، فأخذتهم تلك الكلمة، حتى إن أشدهم عداوة يرفؤه بأحسن ما يجد عنده.
و لما ألقوا عليه سلا جذور و هو ساجد دعا عليهم، فذهب عنهم الضحك، و ساورهم الهم و القلق، و أيقنوا أنهم هالكون.
و دعا على عتيبة بن أبي لهب فلم يزل على يقين من لقاء ما دعا به عليه، حتى إنه حين رأى الأسد قال: قتلني و اللّه- محمد- و هو بمكة.
و كان أبيّ بن خلف يتوعده بالقتل. فقال: بل أنا أقتلك إن شاء اللّه، فلما طعن أبيا في عنقه يوم أحد- و كان خدشا غير كبير- كان أبي يقول: إنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك. فو اللّه لو بصق علي لقتلني [3]- و سيأتي.
و قال سعد بن معاذ- و هو بمكة- لأمية بن خلف: لقد سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يقول:
إنهم- أي المسلمين- قاتلوك، ففزع فزعا شديدا، و عهد أن لا يخرج عن مكة، و لما ألجأه أبو جهل للخروج يوم بدر اشترى أجود بعير بمكة ليمكنه من الفرار، و قالت له امرأته: يا أبا صفوان، و قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: لا و اللّه ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا [4].
هكذا كان حال أعدائه (صلّى اللّه عليه و سلم)، أما أصحابه، و رفقاؤه فقد حل منهم محل الروح و النفس، و شغل منهم مكان القلب و العين، فكان الحب الصادق يندفع إليه اندفاع الماء إلى الحدور، و كانت النفوس تنجذب إليه انجذاب الحديد إلى المغناطيس.