و كان من أثر هذ الحب و التفاني أنهم كانوا ليرضون أن تندق أعناقهم و لا يخدش له ظفر أو يشاك شوكة.
وطئ أبو بكر بن أبي قحافة يوما بمكة، و ضرب ضربا شديدا، دنا منه عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفين، و يحرفهما لوجهه، و نزا على بطن أبي بكر، حتى ما يعرف وجهه من أنفه، و حملت بنو تميم أبا بكر في ثوب، حتى أدخلوه منزله، و لا يشكون في موته، فتكلم آخر النهار فقال: ما فعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فمسوا منه بألسنتهم و عذلوه، ثم قاموا و قالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه، و جعل يقول: ما فعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فقالت: و اللّه لا علم لي بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد اللّه، قالت: ما أعرف أبا بكر و لا محمد بن عبد اللّه، و إن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك ذهبت، قالت: نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا، فدنت أم جميل، و أعلنت بالصياح، و قالت: و اللّه إن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق و كفر، و إني لأرجو أن ينتقم اللّه لك منهم، قال: فما فعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح، فقال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم قال: فإن للّه علي ألّا أذوق طعاما و لا أشرب شرابا أو آتي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، فأمهلتا، حتى إذا هدأت الرجل، و سكن الناس، خرجتا به، يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) [1].
و سننقل نوادر الحب و التفاني في مواقع شتى من هذه المقالة، و لا سيما ما وقع في يوم أحد، و ما وقع من خبيب و أمثاله.
3- الشعور بالمسؤولية
- فكان الصحابة يشعرون شعورا تاما ما على كواهل البشر من المسئولية الفخمة الضخمة، و أن هذه المسئولية لا يمكن عنها الحياد و الانحراف بحال، فالعواقب التي تترتب على الفرار عن تحملها أشد و خامة و أكبر ضررا عما هم فيه من الاضطهاد، و أن الخسارة التي تلحقهم- و تلحق البشر جمعاء- بعد هذا الفرار لا يقاس بحال على المتاعب التي كانوا يواجهونها نتيجة هذا التحمل.
4- الإيمان بالآخرة
- و هو مما كان يقوي هذا الشعور- الشعور بالمسؤولية- فقد كانوا على يقين جازم من أنهم يقومون لرب العالمين، يحاسبون بأعمالهم دقها و جلها، صغيرها