اسم الکتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 196
امرأته، و قال الشاعر:
إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت # حليلته و ازداد حرا عجانها
و قالوا: إذا خرج المسافر فالتفت لم يتم سفره، و قال الشاعر:
تلفّت نحو الحي حتّى وجدتني # و جعت من الإصغاء، ليتا و أخدعا
و إنما التفت لأنه كان عاشقا، فأحب أن لا يتم سفره ليرجع إلى محبوبه.
و كانوا يوقدون خلف المسافر إذا أرادوا أن لا يرجع، و يرمون خلفه بحصاة و روثة، و يقولون: راث خبره و حصن أثره، فإذا أرادوا سرعة رجوعه تناولوا من تحت قدميه، و قال شاعر في امرأة، قالت له و اقتصت من أثره:
يا ربّ أنت جاره في أثره # و جار خصييه و جار ذكره
و كان إذا أصاب إبلهم العرّ [1] ، كووا الصحيح منها. يزعمون أن الجربي بذلك تبرأ، قال النابغة:
كذي العرّ يكوى غيره و هو راتع
و مذهبهم في الحامي و البحيرة و السائبة و الوصيلة معروف. و إذا بلغت ابلهم الفا فقئوا إحدى عيني الفحل. و إذا زادت عن الألف فقئوا عينه الأخرى. و يسمّون ذلك المفقأ و المعمى. و يزعمون أن ذلك يطرد عنه العين.
و قالوا: أيّما امرأة أحبها زوجها أو خدنها، فلم يشق أحدهما ثوب الآخر لم يبق بينهما الحب، و لذلك قال الشاعر:
إذا شقّ برد شقّ بالبرد برقع # دواليك حتّى ليس للثوب لابس [2]
و قالوا: الضالّ في المفازة متى لبس ثوبه مقلوبا اهتدى. قالوا: و الجمل متى ندّ فذكر بعض آبائه، و الناقة إذا ندّت فذكر بعض أمهاتها سكنا، و لذلك قال الشاعر:
أبول و الوجناء بي تقحم # قل لي ما اسم أمّها يا علكم [3]
و قالوا: من عشق فكوي بين أليتيه سلا. و كان يفعل ذلك بنو عذرة [4] خاصّة.
و كان لهم خرزة يقال لها السلوان، إذا شرب حكاكتها العاشق سلا في ما زعموا، قال
[1] العرّ: الجرب، يقال عرّ الجمل أي جرب، و عرّاه ساءه، و عرّاه بشرّ لطّخه بشرّ، مأخوذ من الجرب أي أعداه شرّه.
[2] البرد: الثوب الموشّى-البرقع: ما تستر به المرأة وجهها.