اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 507
الباعثة على تأليف هذا الكتاب كما تقدم في خطبته و اللّه أعلم.
باب الراء المهملة
الراحلة:
قال الجوهري: هي الناقة التي تصلح لأن ترحل، و كذلك الرحول و يقال الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى انتهى. و الهاء فيها للمبالغة كالتي في داهية و راوية و علاّمة. و إنما سميت راحلة لأنها ترحل أي يشد عليها الرحل فهي فاعلة بمعنى مفعولة كقوله [1]
تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ* أي مرضية. و قد ورد فاعل بمعنى مفعول في عدة مواضع من القرآن العظيم. كقوله [2] تعالى: لاََ عََاصِمَ اَلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اَللََّهِ إِلاََّ مَنْ رَحِمَ أي لا معصوم.
و كقوله [3] تعالى: مََاءٍ دََافِقٍ أي مدفوق. و كقوله [4] تعالى: حَرَماً آمِناً* أي مأمونا. و فيه جاء أيضا مفعول بمعنى فاعل، كقوله [5] تعالى: حِجََاباً مَسْتُوراً أي ساترا، و كََانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا[6] أي آتيا. قال الحريري [7] : و قد يكنى عن النعل بالراحلة، لأنها مطية القدم و إليها أشار الشاعر بقوله ملغزا:
رواحلنا ست و نحن ثلاثة # نجنبهن الماء في كل مورد
روى البيهقي في الشعب، في أواخر الباب الخامس و الخمسين، أن النبي صلى اللّه عليه و سلم، قال: «من مشى عن راحلته عقبة فكأنما أعتق رقبة» . قال أبو أحمد: العقبة ستة أميال، و روى البخاري و مسلم و غيرهما من حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة [8] » . و قال البيهقي في سننه في باب إنصاف الخصمين في الدخول على القاضي و الاستماع منهما و الإنصاف لهما هذا الحديث يتأول على أن الناس في أحكام الدين سواء، لا فضل فيها الشريف على مشروف، و لا لرفيع على وضيع، كالإبل المائة لا يكون فيها راحلة، و هي الذلولة التي ترحل و تركب. و ذكر قبله عن ابن سيرين أنه قال: كان أبو عبيدة بن حذيفة قاضيا، فدخل عليه رجل من الأشراف، و هو يستوقد نارا، فسأله حاجة، فقال له أبو عبيدة: أسألك أن تدخل إصبعك في هذه النار، قال سبحان اللّه. قال: أبخلت علي بإصبع من أصابعك أن تدخله في هذه النار، و تسألني إدخال جسمي كله في نار جهنم؟و قال ابن قتيبة: الراحلة النجيبة المختارة من الإبل للركوب و غيره، و هي كاملة الأوصاف، فإذا كانت في ابل عرفت. قال: و معنى الحديث أن الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل في النسب بل هل أشباه كالإبل المائة. و قال الأزهري: الراحلة عند العرب، الجمل النجيب [9] و الناقة النجيبة.
[7] الحريري: القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري، البصري، الأديب الكبير صاحب «المقامات» الحريرية. «و درّة الغواص» . مات بالبصرة سنة 516 هـ-.
[8] رواه البخاري في الرقاق: 35. و مسلم في فضائل الصحابة: 232.