اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 250
يمنعون من تبذير ماله، و لاموه في العطاء، فكان يدعو الرجل، فإذا دنا منه، لطمه لطمة خفيفة، ثم يقول له: قم فانشد لطمتك و اطلب ديتها، فإذا فعل ذلك أعطته بنو تيم من مال ابن جدعان.
و لقد أجاد أبو الفتح علي بن محمد البستي، صاحب النظم و النثر، في هذه القصيدة، و هي قصيدة طويلة طنانة تشتمل على مواعظ و حكم فلنأت بها بتمامها و بما ذيل عليها أهل الفضل. و يقال: إنها لأمير المؤمنين الراضي [1] باللّه و هي هذه:
زيادة المرء في دنياه نقصان # و ربحه غير محض الخير خسران
و كل وجدان حظ لا ثبات له # فإن معناه في التحقيق فقدان
يا عامرا لخراب الدهر مجتهدا # باللّه هل لخراب العمر عمران
و يا حريصا على الأموال يجمعها # أنسيت أن سرور المال أحزان
زع الفؤاد عن الدنيا و زخرفها # فصفوها كدر و الوصل هجران
و أوع سمعك أمثالا أفصلها # كما يفصل ياقوت و مرجان
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم # فطالما استعبد الإنسان، إحسان
و كن على الدهر معوانا لذي أمل # يرجو نداك فإن الحر معوان
من جاد بالمال مال الناس قاطبة # إليه و المال للإنسان فتان
من كان للخير منّاعا فليس له # عند الحقيقة إخوان و أخدان [2]
لا تخدشن بمطل وجه عارفة # فالبر يخدشه مطل وليان
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته # أ تطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس فاستكمل فضائلها # فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
من يتق اللّه يحمد في عواقبه # و يكفه شر من عزوا و من هانوا
حسب الفتى عقله خلا يعاشر # إذا تحاماه إخوان و خلان
لا تستشر غير ندب حازم فطن # قد استوى منه إسرار و إعلان
فللتدابير فرسان إذا ركضوا # فيها أبروا كما للحرب فرسان
و للأمور مواقيت مقدرة # و كل أمر له حد و ميزان
من رافق الرفق في كل الأمور فلم # يندم عليه و لم يذممه إنسان
و لا تكن عجلا في الأمر تطلبه # فليس يحمد قبل النضج بحران
و ذو القناعة راض في معيشته # و صاحب الحرص ان أثرى فغضبان
كفى من العيش ما قد سد من رمق # ففيه للحران حققت غنيان
هما رضيعا لبان حكمة و تقى # و ساكنا وطن مال و طغيان
من مد طرفا بفرط الجهل نحو هوى # أغضى عن الحق يوما و هو خزيان
من استشار صروف الدهر قام له # على حقيقة طبع الدهر برهان
من عاشر الناس لاقى منهم نصبا # لأن طبعهم بغي و عدوان [3]
[1] الراضي: الخليفة العباسي محمد بن جعفر بن المعتضد باللّه أحمد. مولوده سنة 297 هـ-. و وفاته سنة 329 هـ-.