responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المطرب من أشعار أهل المغرب المؤلف : ابن دحية    الجزء : 1  صفحة : 69
وذوات الخمر: النساء. والكمكمة: من زي الحرائر ومن لا يمتهن من النساء. ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أَمة مكمكة فضربها بالدرة. وقال: لا تَشبَّهينَ بالحرائر.
وقد وجب أن أجعل لهذا الكتاب نهاية ينتهي إليها، وغاية يقف عندها ولا يزيد عليها؛ فإن شعر من عاصرته من شعراء ذلك العصر، يكاد يخرج عن حد الحصر؛ كالفقيه الأديب الشاعر المصيب، أبي محمد عبد الله ابن الفقيه الأستاذ الأديب؛ أبي عبد الله محمد بن الفقيه الأستاذ اللغوي النحوي، أبي محمد قاسم بن شقريق الرعيني؛ أنشدني كثيرا من شعره، واقتصر آخرا على تقريظ سيدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام ووصف مآثره، ونظم جواهر مفاخره؛ راغبا في شفاعة جده، سيد ولد آدم صلى الله وعلى آله من بعده، سمعت الشيخ الفقيه، رأس العدول بسبته، أبا عبد الله، محمد بن الحسن ابن عان، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: بشر عبد الله ابن شقريق بالجنة، وأشار بإصبعه المقدسة، إلى وجهه الكريم، فبعد أيام قلائل ظهرت بوجهه بثرة صغيرة جدا، فلم تزل تعظم حتى أتت على جميع وجهه. وتوفي رحمه الله منها سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وهو في عشر الثمانين سنة، وشهدت جنازته.
ولقيت الوزير الأعلى أحمد بن هردوس، موشى حلل الموشحات، وموشع حبر القصائد المستملحات، وهو القائل في السيد أبي سعيد:
يا ليلَة الوَصْل والسُّعود ... بالله عُودِي
وكأبي عبد الله الرصافي، الصافية من الأكدار في نظم الأشعار موارده، وكابن السكن البديعة في الفنون الشعرية مقاصده، وكأبي الوليد يونس القسطلي الفائقة بقلائد الولائد أراجيوه وقصائده. ومن جرى مجراهم من المجيدين في الجد والهزل، ورقيق النظم الجزل؛ كصاحبنا الوزير أبي القاسم بن البراق، المعدود في الشعراء السباق؛ مررت على بلده ومقره، فخرج إلى متلقياً مع أهل مصره؛ وقد داسته حوادث الأيام دوسا، وغادرت صعدة قوامه قوسا وهو يسلك مسالك أهل الصبا، ويميل به الأدب طوراً إلى الجنوب وآونة مع الصبا؛ فعاتبته على بذل نفسه في طاعة الهوى جهد الاستطاعة، مع ما أعطاه الله من المعرفة والآداب ونفائس البضاعة؛ فقال لي: إنه كان وبرد شبابه قشيب، وغضن اعتداله رطيب؛ بقميص النُّسك متقمص، وبعلم الحديث متخصص؛ واجتاز يوماً وبيده مجلد من " صحيح مسلم، بقصر بعض الملوك الأكابر، وهو من بعض مناظره ناظر، لكل من هو بمدرجة القصر خاطر؛ وحسن المثاني والمثالث لديه عال، ومجلس انسه بخواص ندمائه حال؛ فقال: اطلعوا لنا بهذا الفقيه فلعلنا نضحك منه ونمازحه، ونجاريه في ميدان الأدب إن كان من أهله ونطارحه؛ فلما مثل بين يديه وحيا، أمر الساقي بمناولته كأس الحُميّا؛ فتقبض متأففا، وأبدى تمعراً وتقشفاً؛ والسلطان يستغرب ضحكاً من مستغرب حركاته لما هجم الرجل عليه، ويد الساقي ممدودة إليه؛ واتفق في خلال ذلك أن انشقت من ذاتها صراحية من صافي الزجاج، فسال منها كالسائل من نجيع الذبيح من الأوداج؛ فأظهر السلطان التطير بذلك وجلا، فصرف ذلك عن خاطره بإنشاده على البديهية مرتجلا:
ومجَلْس بالسّرور مُشتملٍ ... لم يَخْلُ فيه الزّجَاجُ عن أرَبِ
سَرَى بأعْطافه تَرنُّحنا ... فشقَّ أثوابهُ من الطَّرب
فسر السلطان وسرى عنه، واستحسن سماحة خاطره بهذين البيتين البديعين منه؛ وأمر له بجائزة سنية، وخلعة رائعة بهية.
وقد انتهى ما أمللته من كلام مرتجل، وبديه على عجل؛ ولولا الاستنامة إلى الإغضاء، وأن المبادرة إلى امتثال أمر السلطان أقرب إلى الإرضاء؛ لما أرعفت لليراع أنفا، ولا حملت الروية على الكاتب عنفا؛ لبعد المملوك عن بلاده، وكلب العدو في البحر على كتبه وطارفه وتلاده.
فإن وافق اجتهادي أمله، ووقفت على الغرض الذي سأله، فذلك نكتة من فضله عرضت عليه، وبضاعته ردت إليه؛ ضاعف الله له وعنده مواد الإسعاد، وأخدمه النصر في كل مبدأ، وختم له بالظفر في كل معاد، واهلك أعاديه وأبعدهم إبعاد ثمود وعاد. وصلى الله على سيد ولد آدم وأمينه على وحيه الذي بعثه في أشرف زمان، وجعله من عصمته في ذمة وأمان؛ فجد في علو كلمة الله غير مقصر ولا وان، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا أهل الزيغ والعدوان:
فهاكَ ما شئتَ من نَظْم له نَسقٌ
اسم الکتاب : المطرب من أشعار أهل المغرب المؤلف : ابن دحية    الجزء : 1  صفحة : 69
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست