و حدث إبراهيم بن عيسى قال: ذاكرت المنصور، ذات يوم، في أبي مسلم، و صونه السر، و كتمه حتى فعل ما فعل، فأنشد:
تقسّمني أمران لم أفتتحهما # بحزم و لم تعركهما لي الكراكر
و ما ساور الأحشاء مثل دفينة # من الهمّ ردّتها إليك المعاذر
و قد علمت أفناء عدنان أنّني # على مثلها مقدامة متجاسر
و قال آخر:
صن السّرّ بالكتمان يرضك غبّه # فقد يظهر السّرّ المضيع فيندم
و لا تفشين سرّا إلى غير أهله # فيظهر خرق الشّرّ من حيث يكتم
و ما زلت في الكتمان حتّى كأنّني # برجع جواب السّائلي عنه أعجم
لنسلم من قول الوشاة و تسلمي # سلمت و هل حيّ على الدّهر يسلم
أ منّي تخاف انتشار الحديث # و حظّي في ستره أوفر
و لو لم أصنه لبقيا عليك # نظرت لنفسي كما تنظر
و قال أبو نواس:
لا تفش اسرارك للنّاس # و داو أحزانك بالكاس
فإنّ إبليس على ما به # أرأف بالنّاس من النّاس
و قال المبرد [1] : أحسن ما سمعت في حفظ اللسان و السر ما روي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه:
لعمرك إنّ و شاة الرّجا # ل لا يتركون أديما صحيحا
فلا تبد سرّك إلاّ إليك # فإن لكلّ نصيح نصيحا
[1] المبرد هو محمد بن يزيد الأزدي. عالم في اللغة و الأدب و الأخبار. ولد في البصرة و رحل إلى بغداد و توفي سنة 286 هـ. اهم كتبه الكامل.