اسم الکتاب : المحاسن و الأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 46
و نفسك فاحفظها و لا تفش للعدى # من السّرّ ما يطوي عليه ضميرها
فما يحفظ المكتوم من سرّ أهله # إذا عقد الأسرار ضاع كثيرها
من القوم إلاّ ذو عفاف يعينه # على ذاك منه صدق نفس و خيرها
قال معاوية بن أبي سفيان: «أعنت على علي بن أبي طالب بأربع خصال: كان رجلا ظهرة [1] علنة لا يكتم سرا، و كنت كتوما لسري، و كان لا يسعى حتى يفاجئه الأمر مفاجأة، و كنت أبادر إلى ذلك، و كان في أخبث جند و أشدهم خلافا، و كنت في أطوع جند و أقلهم خلافا، و كنت أحب إلى قريش منه، فنلت ما شئت فلله من جامع إليّ، و مفرق عنه» . و كان يقال: «لكاتم سره من كتمانه إحدى فضيلتين: الظفر بحاجته و السلامة من شره، فمن أحسن فليحمد اللّه و له المنة عليه، و من اساء فليستغفر اللّه» . و قال بعضهم: «كتمانك سرك يعقبك السلامة، و إفشاؤك سرك يعقبك الندامة، و الصبر على كتمان السر أيسر من الندم على إفشائه» . و قال بعضهم: «ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده من اللصوص فيخفيه، و يمكن عدوه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سر نفسه و سر أخيه؛ و من عجز عن تقويم أمره فلا يلومنّ إلاّ نفسه إن لم يستقم له» .
و قال معاوية: «ما أفشيت سري إلى أحد إلا أعقبني طول الندم، و شدة الأسف، و لا أودعته جوانح صدري فحكمته بين أضلاعي، إلاّ أكسبني مجدا و ذكرا، و سناء و رفعة» . فقيل: «و لا ابن العاص» . قال: «و لا ابن العاص» . و كان يقول: «ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك» .
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من كتم سره كانت الخيرة في يده، و من عرض نفسه للتهمة فلا يلومنّ من أساء به الظن؛ وضع أمر اخيك على أحسنه، و لا تظنّ بكلمة خرجت منه سواء ما كنت واجدا لها في الخير مذهبا، و ما كفأت من عصى اللّه فيك بأفضل من أن تطيع اللّه جل اسمه فيه، و عليك بإخوان الصدق فإنهم زينة عند الرخاء، و عصمة عند البلاء» .