اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 7 صفحة : 75
قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و إذا بامرأة بفناء المسجد تبيع من طرائف المدينة، و إذا هي في ناحية وحدها و عليها ثوبان خلقان، و إذا هي ترجّع بصوت خفي شجي، فالتفتّ فرأيتها فوقفت، فقالت: هل من حاجة؟قلت تزيدين في السماع!قالت: و أنت قائم؟ لو قعدت!فقعدت كالخجل، فقالت: كيف علمك بالغناء؟فقلت: علم لا أحمده، قالت: فعلام أنفخ بغير نار؟ما منعك من معرفته؟فو اللّه إنه لسحوري و فطوري! قلت: و كيف وضعته بهذا الموضع العالي؟قالت: يا هذا، و هل له موضع يوضع به و هو في علوه في السماء الشاهقة؟قلت: فكل هؤلاء النسوة اللاتي أرى على مثل رأيك و في مثل حالك؟قالت؟: فيهن و فيهن... ، و لي بينهن قصة. قلت: و مان هي؟قالت:
كنت أيام شبابي و أنا في مثل هذه الخلقة التي ترى من القبح و الدمامة، و كنت أشتهي الجماع شهوة شديدة و كان زوجي شابا وضيئا، و كان لا ينتشر عليّ حتى أتحفه و أطيّبه و أسكره، فأضرّ ذلك بي؛ و كان قد علقته امرأة قصّار [1] تجاورني، فزاد ذلك في غمي؛ فشكوت إلى جارة لي ما أنا فيه، و غلبة امرأة القصار على زوجي؛ فقالت:
أدلّك على ما ينهضه عليك و يرد قلبه إليك!قلت: وا بأبي أنت!إذا تكونين أعظم الخلق منة عليّ. قالت: اختلفي إلى مجمع مولى الزبير، فإنه حسن الغناء، فاعلقي من غنائه أصواتا عشرة، ثم غنيّ بها زوجك، فإنه سيجامعك بجوارحه كلها!قالت:
فالتطت بمجمعه، فلم أفارقه حتى رضيني حذاقة و معرفة؛ فكنت إذا أقبل زوجي اضطجعت و رفعت عقيرتي [2] ثم تغنيت، فإذا غنيت صوتا بت على نيّف، و إن غنيت صوتين بت على اثنين، و ان غنيت ثلاثة فثلاثة.
فكنّا كندماني جذيمة حقبة # من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
قال: فضحكت و اللّه حتى أمسكت على بطني، و قلت: يا هذه، ما أظن أنه خلق مثلك!قالت: اخفض من صوتك، قلت: ما كان أعظم منّة من المشورة قالت: