اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 7 صفحة : 62
وجهه؛ فقيل له: ويحك!ما كانت قصتك؟قال: ارتفع و اللّه من رجلي شيء حارّ، و هبط من رأسي شيء بارد، فالتقيا و تصادما؛ فوقعت لا أدري ما كانت حالي.
أخبار عنان و غيرها من القيان
حدّث محمد بن زكريا الغلابي بالبصرة قال: حدثنا ابراهيم بن عمر قال: كان الرشيد قد استعرض عنان جارية الناطفي ليشتريها، و قال لها: أنا و اللّه أحبّك!ثم أمسك عن شرائها؛ فجلس ليلة مع سمّاره، فغناه بعض من حضر من المغنين بأبيات جرير حيث يقول:
إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا # وشلا بعينك لا يزال معينا [1]
قال: فطرب الرشيد لها طربا شديدا، و أعجب بالابيات، و قال لجلسائه: هل منكم أحد يجيز هذه الابيات بمثلهنّ، و له هذه البدرة؟-و بين يديه بدرة من دنانير-قال:
فلم يصنعوا شيئا؛ فقال خادم على رأسه: أنا لك بها يا أمير المؤمنين. قال: شأنك.
فاحتمل البدرة؛ ثم أتى الناطفيّ فقال له: استأذن لي على عنان. فأذنت له، فدخل و أخبرها الخبر؛ فقالت: ويحك!و ما الابيات؟فأنشدها إياها، فقالت له: اكتب:
هيّجت بالقول الذي قد قلته # داء بقلبي ما يزال كمينا
قد أينعت ثمراته في طينها # و سقين من ماء الهوى فروينا
كذب الذين تقوّلوا يا سيدي # إنّ القلوب إذا هوين هوينا
فقالت له: دونك الابيات. فدفع إليها البدرة و رجع إلى هارون، فقال: ويحك! من قالها؟قال: عنان جارية الناطفي. فقال: خلعت الخلافة من عنقي إن باتت إلا عندي!قال: فبعث إلى مولاها فاشتراها منه بثلاثين ألفا، و باتت بقية تلك الليلة عنده! و قال الاصمعي: ما رأيت الرشيد مبتذلا قط إلا مرة، كتبت إليه عنان جارية الناطفى رقعة فيها: