اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 7 صفحة : 61
أهل المدينة سمع غناءها فعلقها و شغف بها، و أنه يجيء في كل ليلة مستترا يقف بالباب حتى يسمع غناءها ثم ينصرف؛ فراعيت مجيئه، فإذا الفتى قد أقبل مقنّع الرأس، فأشرفت عليه و قد قعد مستخفيا، فلم أدع بها تلك الليلة، و جعلت أتأمّل موضعه، فبات مكانه الذي هو فيه؛ فلما انشق الفجر اطلعت عليه، فإذا هو في موضعه، فدعوت قيّمة الجواري فقلت لها: انطلقي الساعة فزيّني هذه الجارية و اعجلي بها إليّ. فلما جاءت بها نزلت و فتحت الباب و حرّكته، فانتبه مذعورا؛ فقلت له: لا بأس عليك!خذ بيد هذه الجارية فهي لك، و إن هممت ببيعها فردّها إليّ!فدهش و أخذه الخبل و لبط به [1] ؛ فدنوت من أذنه!فقلت: ويحك!قد أظفرك ببغيتك، فقم فانطلق بها إلى منزلك!فإذا الفتى قد فارق الدنيا، فلم أر شيئا قط أعجب منه! قال عبد الملك: و أنا و اللّه ما سمعت شيئا قط أعجب من هذا و لو لا أنك عاينته ما صدّقت به؛ فما صنعت بالجارية؟قال: تركتها عندي، و كنت إذا ذكرت الفتى لم أجد لها مكانا من قلبي، و كرهت أن أوجّه بها إلى يزيد فيبلغه حالها فيحقد عليّ، فما زالت تلك حالها حتى ماتت!
طريفة و أيوب المغني
و وقف رجل يقال له طريفة على أيوب المغني فقال:
إني قصدت إليك من أهلي # في حاجة يسعى لها مثلي
لا أبتغي شيئا لديك سوى # «حيّ الحمول بجانب الرّمل»
فقال له: انزل، فلك ما طلبت، فنزل، فأخرج عوده ثم غناه بقول امرئ القيس:
حيّ الحمول بجانب الرمل # إذ لا يلائم شكلها شكلي
فلبط [2] بطريفة، فإذا هو في الأرض منجدل، فلما أفاق قام يمسح التراب عن