اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 7 صفحة : 18
كان عروة بن أذينة يعدّ ثقة ثبتا في الحديث، روى عنه مالك بن أنس؛ و كان شاعرا لبقا في شعره غزلا، و كان يصوغ الألحان و الغناء على شعره في حداثته و ينحلها المغنين؛ فمن ذلك قوله، و غنى به الحجازيون:
يا ديار الحيّ بالأجمه # لم يبيّن رسمها كلمه
و هو موضع صوته، و منه قوله:
قالت و أبثثتها و جدي و بحت به # قد كنت عندي تحت السّتر فاستتر
أ لست تبصر من حولي فقلت لها # غطّي هواك و ما ألقي على بصري
قال: فوقفت عليه امرأة و حوله التلامذة، فقالت: أنت الذي يقال فيك الرجل الصالح، و أنت القائل:
إذا وجدت أوار الحبّ في كبدي # عمدت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره # فمن لنار على الأحشاء تتقد
لا و اللّه ما قال هذا رجل صالح قط!
القس
قال: و كان عبد الرحمن الملقب بالقس عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح في العبادة، و إنه مر يوما بسلامة و هي تغني، فقام يستمع غناءها، فرآه مولاها فقال له:
هل لك أن تدخل فتسمع؟فأبى، فلم يزل به حتى دخل، فقال له: أوقفك في موضع بحيث تراها و لا تراك. فغنّته فأعجبته، فقال له مولاها: هل لك في أن أحوّلها إليك؟فأبى ذلك عليه، فلم يزل به حتى أجابه، فلم يزل يسمعها و يلاحظها النظر حتى شغف بها؛ و لما شعرت لحظه إيّاها غنته:
ربّ رسولين لنا بلّغا # رسالة من قبل أن يبرحا
لم يعملا خفّا و لا حافرا # و لا لسانا بالهوى مفصحا
حتى استقلا بجوابيهما # بالطائر الميمون قد أنجحا
اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 7 صفحة : 18