تنفح بالمسك محاريبهم # و عنبر يقطبه قاطب [1]
و الخبز و اللحم لهم راهن # و قهوة راووقها ساكب [2]
و القطن و الكتّان أثوابهم # لم يجلب الصّوف لهم جالب
فأصبحوا قوتا لدود الثّرى # و الدهر لا يقي له صاحب
كأنما حياتهم لعبة # سرى إلى بين بها راكب
و قال أبو حاتم: بين: موضع من الحيرة على ثلاث ليال.
الشيباني قال: وجد مكتوبا على بعض القبور:
ملّ الأحبّة زورتي فجفيت # و سكنت في دار البلى فنسيت
الحيّ يكذب لا صديق لميت # لو كان يصدق مات حين يموت
يا مؤنسا سكن الثرى و بقيت # لو كنت أصدق إذ بليت بليت
أو كان يعمى للبكاء مفجّع # من طول ما أبكى عليك عميت [3]
و قال محمد بن عبد اللّه:
و عما قليل أن ترى باكيا لنا # سيضحك من يبكي و يعرض عن ذكري
ترى صاحبي يبكي قليلا لفرقتي # و يضحك من طول اللّيالي على قبري
و يحدث إخوانا و ينسى مودّتي # و تشغله الأحباب عني و عن ذكري
من رثى ولده
فمن قولي في ولدي:
بليت عظامي و الأسى يتجدّد # و الصبر ينفد و البكا لا ينفد
يا غائبا لا يرتجى لإيابه # و لقائه دون القيامة موعد
ما كان أحسن ملحدا ضمّنته # لو كان ضمّ أباك ذاك الملحد
باليأس أسلو عنك لا بتجلّدي # هيهات أين من الحزين تجلد
[1] يقطبه: يمزجه.
[2] الراووق: ناجود الشراب الذي يروق به فيصفى.
[3] مفجع: متألم للمصيبة.