اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 3 صفحة : 112
راهب و ضالون في سفرهم:
حاد قوم سفر عن الطريق، فدفعوا إلى راهب منفرد في صومعته، فنادوه، فأشرف عليهم، فسألوه عن الطريق، فقال: هاهنا. و أومأ بيده إلى السماء، فعلموا ما أراد، فقالوا: إنا سائلوك. قال: سلوا و لا تكثروا: فإن النهار لا يرجع و العمر لا يعود، و الطالب حثيث!قالوا: علام الناس يوم القيامة؟قال: على نياتهم و أعمالهم.
قالوا: إلى أين الموئل؟قال: إلى ما قدمتم. قالوا: أوصنا. قال: تزوّدوا على قدر سفركم، فخير الزاد ما بلّغ المحل. ثم أرشدهم الجادّة و انقمع [1] .
و قال بعضهم: أتيت الشام فمررت بدير حرملة، فإذا فيه راهب كأن عينيه مزادتان [2] ، فقلت له: ما أشدّ ما يبكيك!قال: يا مسلم، أبكي على ما فرطت فيه من عمري، و على يوم يمضي من أجلي لم يحسن فيه عملي!قال: ثم مررت بعد ذلك، فسألت عنه، فقيل لي إنه أسلم و غزا الروم و قتل!
الحيري و ثوبان في لبس الرهبان:
قال أبو زيد الحيري: قلت لثوبان الراهب: ما معنى لبس الرهبان هذا السواد؟ قال: هو أشبه بلباس أهل المصائب!قلت: و كلكم معشر الرهبان قد أصيب بمصيبة؟ قال: يرحمك اللّه، و هل مصيبة أعظم من مصائب الذنوب على أهلها. قال أبو زيد:
فما أذكر قوله إلا أبكاني.
آزاد مرد:
حبيب العدوى عن موسى الأسواري قال: لما وقعت الفتنة أردت أن أحرز ديني [3] ، فخرجت إلى الأهواز، فبلغ آزاد مرد قدومي، فبعث إليّ متاعا، فلما أردت الانصراف بلغني أنه ثقيل، فدخلت عليه، فإذا هو كالخفّاش، لم يبق منه إلا رأسه،