اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 2 صفحة : 81
و قال آخر:
العلم يحيى قلوب الميّتين كما # تحيا البلاد إذا ما مسّها المطر
و العلم يجلو العمى عن قلب صاحبه # كما يجلّي سواد الظّلمة القمر
و قال بعض الحكماء: اقصد من أصناف العلم إلى ما هو أشهى لنفسك، و أخف على قلبك؛ فإنّ نفاذك فيه، على حسب شهوتك له و سهولته عليك.
فضيلة العلم
لعلي بن أبي طالب:
حدثنا أيوب بن سليمان قال: حدثنا عامر بن معاوية عن أحمد بن عمران الأخنس عن الوليد بن صالح الهاشمي، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الكوفي، عن أبي مخنف، عن كحيل النّخعي، قال: أخذ بيدي عليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه، فخرج بي إلى ناحية الجبّانة، فلما أصحر [1] تنفّس الصّعداء، ثم قال: يا كميل، إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها فاحفظ عني ما أقول لك:
الناس ثلاثة: عالم ربّاني، و متعلّم على سبيل نجاة، و همج رعاع، أتباع كلّ ناعق، مع كلّ ريح يميلون، لم يستضيئوا بنور العلم، و لم يلجئوا إلى ركن وثيق.
يا كميل، العلم خير من المال: العلم يحرسك و أنت تحرس المال، و المال تنقصه النفقة، و العلم يزكو على الإنفاق، و منفعة المال تزول بزواله.
يا كميل، محبة العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته، و جميل الأحدوثة بعد وفاته، و العلم حاكم و المال محكوم عليه.
يا كميل، مات خزّان المال و هم أحياء، و العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، و أمثالهم في القلوب موجودة ها إن هاهنا لعلما جمّا-و أشار بيده إلى صدره-لو وجدت له حملة، بلى أجد لقنا [2] غير مأمون عليه، يستعمله آلة الدين