اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 1 صفحة : 354
وفود أم الخير بنت حريش على معاوية
عبيد اللّه بن عمر الغساني عن الشعبي، قال: كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن يحمل إليه أمّ الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي برحلها، و أعلمه أنه مجازيه بالخير خيرا و بالشر شرّا بقولها فيه، فلما ورد عليه كتابه ركب إليها فأقرأها كتابه؛ فقالت: أما أنا فغير زائغة عن طاعة، و لا معتلة بكذب، و لقد كنت أحبّ لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري.
فلما شيّعها و أراد مفارقتها قال لها: يا أم الخير، إن أمير المؤمنين كتب إليّ أنه مجازيني بالخير خيرا و بالشر شرا؛ فمالي عندك؟قالت: يا هذا لا يطمعنك برّك بي أن أسرك بباطل. و لا تؤيسك معرفتي بك أن أقول فيك غير الحق.
فسارت خير مسير حتى قدمت على معاوية. فأنزلها مع الحرم؛ ثم أدخلها في اليوم الرابع و عنده جلساؤه؛ فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.
فقال لها: و عليك السلام يا أم الخير، بحقّ ما دعوتني بهذا الاسم. قالت: يا أمير المؤمنين، مه، فإن بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه، و لكلّ أجل كتاب. قال:
صدقت!فكيف حالك يا خالة؟و كيف كنت في مسيرك؟قالت: لم أزل يا أمير المؤمنين في خير و عافية حتى صرت إليك؛ فأنا في مجلس أنيق، عند ملك رفيق. قال معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم. قالت: يا أمير المؤمنين، يعيذك اللّه من دحض المقال و ما تردي عاقبته. قال: ليس هذا أردنا. أخبرينا كيف كان كلامك إذ قتل عمار بن ياسر؟قالت: لم أكن زوّرته [1] قبل، و لا روّيته بعد؛ و إنما كانت كلمات نفثها لساني عند الصدمة؛ فإن أحببت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت. فالتفت معاوية إلى جلسائه فقال: أبكم يحفظ كلامها؟فقال رجل منهم: أنا أحفظ بعض كلامها يا أمير المؤمنين. قال: هات. قال: كأني بها و عليها برد زبيديّ كثيف بين النسيج، و هي على جمل أرمك [2] و قد أحيط حولها، و بيدها سوط منتشر الضفيرة، و هي كالفحل يهدر في شقشقته [3] ، تقول: