اسم الکتاب : البيان و التبيين المؤلف : الجاحظ الجزء : 2 صفحة : 34
و الأشباه، و قس الأمور عند ذلك، ثم اعمد إلى أحبها إلى اللّه، و أشبهها بالحق فيما ترى. و اجعل للمدعي حقا غائبا أو بينة، أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، و إلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك انفى للشك، و أجلى للعمى، و ابلغ في العذر. المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلودا في حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو قرابة، فإن اللّه قد تولى منكم السرائر و درأ عنكم الشبهات. ثم إياك و القلق و الضجر، و التأذي بالناس، و التنكر للخصوم في مواطن الحق، التي يوجب اللّه بها الأجر، و يحسن بها الذخر، فإنه من يخلص نيته فيما بينه و بين اللّه تبارك و تعالى، و لو على نفسه، يكفه اللّه ما بينه و بين الناس، و من تزين للناس بما يعلم اللّه منه خلاف ذلك هتك اللّه ستره، و أبدى فعله. فما ظنك بثواب غير اللّه في عاجل رزقه، و خزائن رحمته. و السلام عليك.
[أول]
خطبة لعلي بن ابي طالب (ر)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أول خطبة خطبها علي بن ابي طالب رحمه اللّه أنه قال بعد أن حمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على نبيه:
أما بعد فلا يرعينّ مرع إلا على نفسه [1] ، فإن من أرعى على غير نفسه شغل عن الجنة و النار أمامه. ساع مجتهد ينجو، و طالب يرجو، و مقصر في النار. ثلاثة، و اثنان: ملك طار بجناحيه، و نبي أخذ اللّه بيديه، و لا سادس.
هلك من ادعى، وردي من اقتحم، فإن اليمين و الشمال مضلة، و الوسطى الجادة، منهج عليه باقي الكتاب و السنة، و آثار النبوة. إن اللّه داوى هذه الأمة بدواءين: السيف و السوط، فلا هوادة عند الإمام فيهما، استتروا ببيوتكم و أصلحوا فيما بينكم، و التوبة من ورائكم. من أبدى صفحته للحق هلك. قد كانت لكم أمور ملتم علي فيها ميلة لم تكونوا عندي فيها بمحمودين و لا مصيبين. أما إني لو أشاء لقلت عفا اللّه عما سلف. سبق الرجلان و قام الثالث، كالغراب همّته بطنه، يا ويحه، لو قصّ جناحاه و قطع رأسه لكان خيرا