responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحكم والمحيط الأعظم المؤلف : ابن سيده    الجزء : 10  صفحة : 344

أما ترانى رجُلا كما ترى

أحمِلُ فوقى بِزَّتى كما ترى

على قَلوصٍ صَعْبةٍ كما ترى

أخافُ أن تَطْرحَنى كما ترى

فما ترى فيما ترى كما ترى[١]

فالقول عندى فى هذه الأبيات أنها لو كانت عدَّتُها ثلاثة لكان الخطب فيها أيسر ؛ وذلك لأنك كنت تجعل واحدًا منها من رؤية العين كقولك : كما تُبصر ، والآخر من رؤية القلب التى فى معنى العلم ؛ فيصير كقولك : كما تعلم. والثالثُ من : رأيتُ ، التى بمعنى الرأْىِ والاعتقادِ ، كقولك : فلانٌ يرى رأى أهل العدل ، وفلان يرى رأى الشُّراة أى : يعتقد اعتقادهم. ومنه قول الله سبحانه (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) [النساء : ١٠٥] فحاسة البصر هنا لا تتوجَّهُ ، ولا يجوز أن يكون بما أعلمك الله ؛ لأنه لو كان كذلك لوجب تعدّيه إلى ثلاثة مَفْعولين [٢] ، وليس هناك إلا مفعولان : أحدهما : الكاف فى أراك ، والآخر : الضمير المحذوف للغائب أى أراكه ، وإذا تعدت أرى هذه إلى مفعولين : لم يكن من الثالث بدٌّ ، أو لا تراك تقول : فلان يرى رأى الخوارج ، ولا تعنى أنه يعلم ما يدَّعون هم علمه ، وإنما تقول : إنه يعتقد ما يعتقدون ، وإن كان هو وهم عندك غير عالمين بأنهم على الحق ، فهذا قسمٌ ثالث لرأيت ؛ فلذلك قلنا : لو كانت الأبيات ثلاثة لجاز أن لا يكون فيها إيطاء لاختلاف المعانى ، وإن اتفقت الألفاظ ، وإذ هى خمسة فظاهِرُ أمرِها أن تكون إيطاءً لاتفاق الألفاظ والمعانى جميعًا.

ولو قال قائل : إنه لا إيطاء هناك لرأيت له وجهًا من القياس مستقيمًا ليس به بأس ؛ وذلك أن العرب قد أجرت الموصول والصلّة مُجْرَى الشىء الواحد ، ونزلتهما منزلة الجزء المنفرد ، وذلك نحو قول الله عزوجل : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء : ٧٩ ـ ٨٢]. إنما معناه : الذى هو يطعمنى ويسقين ، وإذا مرضت فهو يشفين ، ويميتنى ويحيين وأطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين ؛ لأنه ـ سبحانه ـ هو الفاعل لهذه الأشياء كلّها وحده ، والشىء لا يعطف على نفسه ، ولكن لما كانت الصلّة والموصول كالجزء


[١] الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (رأى).

[٢] كذا بالأصل ثلاثة مفعولين ، ولعلها خطأ من الناسخ.

اسم الکتاب : المحكم والمحيط الأعظم المؤلف : ابن سيده    الجزء : 10  صفحة : 344
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست