اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : المنقري، نصر بن مزاحم الجزء : 1 صفحة : 148
و صنع الأسود الطعام، و دفن كل منهم سيفه تحته في الرمل مجردا، فلما جلس الملك و قومه للأكل و ثبت عليهم جديس حتى أبادوهم، ثم قتلوا باقيهم، فهرب رجل من طسم حتى لحق بتبّع تبان أسعد بن كلكيكرب، و قيل: بحسان بن تبّع الحميري و كان بالمدينة، فاستغاثه، و ذكر أبياتا فيها غدر جديس بهم، فوعده بنصره، ثم رأى منه تباطؤا فقال:
إني طلبت لأوتاري و مظلمتي * * * بال حسّان آل العز و الكرم
المنعمين إذا ما نعمة ذكرت * * * و الواصلين بلا قربى و لا رحم
قصة زرقاء اليمامة
في أبيات أخرى، فسار تبع من المدينة في جيوشه، حتى إذا كان عند جبل على ليلة من اليمامة قال له الطسمي: توقف أيها الملك فإن لي أختا متزوجة في جديس يقال لها يمامة أبصر خلق الله على بعد، و إني أخاف أن ترانا فتنذرهم بنا، فأقام تبع، و أمر رجلا فصعد الجبل ليرى ما هناك، فدخل في رجله شوكة بالجبل، فأكب يستخرجها، فأبصرته اليمامة، و كانت زرقاء العين، فقالت لهم: إني أرى على الجبل الفلاني رجلا و ما أظنه إلا عينا، فقالوا: ما يصنع؟ فقالت: إما يخصف [1] نعلا أو ينهش كتفا، فكذبوها، ثم قال الطسمي لتبع: إن بصرها بالليل أنفذ فمر أصحابك ليقطعوا من الشجر أغصانا ليستتروا بها فيشبهوا [2] عليها الأمر، ففعلوا، حتى إذا دنوا من اليمامة ليلا؛ فنظرت اليمامة فقالت: يا جديس سارت إليكم الشجر، أو جاءتكم أوائل خيل حمير، فكذبوها، فصبّحتهم حمير، فهرب الأسود في نفر من قومه لجبلي طيء و فتح أهل المدينة حصون اليمامة، و امتنع عليهم حصن زرقاء اليمامة؛ فصابره تبع حتى افتتحه، و قبض عليها، و سألها: كيف أبصرتهم؟ فأخبرته بخبر الذي صعد الجبل، فسأله تبع، فقال: صعدت فانقطع شراك نعلي و أصابتني شوكة؛ فعالجت إصلاحها و إصلاح قبالي بفمي، فقال لها: أنّى لك هذا؟ قالت:
كنت آخذ حجرا أسود فأدقه و أكتحل به: فكان يقوي بصري، فيقال: إنها أول من اكتحل بالإثمد، فأمر تبع بقلع عينيها ليرى ما فيهما، فوجد عروقها كلها محشوة بالإثمد، و خربت اليمامة يومئذ؛ لأن تبعا قتل أهلها، و لم يخلف بها أحدا، و رجع إلى المدينة.
هذا ما ذكره المجد عن ياقوت باختصار، و ليس فيه عكس القضية؛ فيجوز أن يقع بكل من اليمامة و المدينة مثل هذا، و الظاهر أن قصة اليمامة كانت بعد قصة المدينة.