الثاني : عصيانه الذي هو الموضوع للخطاب المترتب. وقد ذكرنا غير مرّة أنّ فعلية الحكم بفعلية موضوعه ، ويستحيل أن يكون الحكم فعلياً بدون فعلية موضوعه وتحققه في الخارج ، وحيث إنّ المفروض فيما نحن فيه توقف صحة الصلاة مع القراءة الجهرية مثلاً على الجهل بوجوب الاخفات ، فلا يمكن تحقق العصيان للتكليف بالاخفات ووجوبه ليتحقق موضوع وجوب الجهر ، لأنّ التكليف الواقعي لا يتنجز مع الجهل به ، وبدون التنجز لا يتحقق العصيان الذي اخذ في موضوع وجوب الجهر.
وعلى هذا ، فلا يتحقق شيء من الأمرين المزبورين ، وبدون ذلك يستحيل فعلية الخطاب المترتب ، فإذا استحالت فعليته استحال جعله أيضاً ، لما ذكرناه من أنّ الغرض من جعل التكليف ـ سواء أكان وجوبياً أم تحريمياً ـ إنّما هو إيجاد الداعي للمكلف نحو الفعل أو الترك ، ومن الواضح أنّه إنّما يكون داعياً فيما إذا أمكن إحرازه صغرىً وكبرىً ، وأمّا إذا لم يمكن إحرازه كذلك فيستحيل أن يكون داعياً.
ومن هنا قد ذكرنا في بحث البراءة [١] أنّ التكليف إذا لم يصل إلى المكلف صغرىً فلا يكون محرّكاً له بمجرّد وصوله كبرى ، كما إذا علم بحرمة شرب الخمر مثلاً في الشريعة المقدسة ، ولكن لم يعلم أنّ هذا المائع المعيّن خمر ، فلا يكون مثل هذا العلم داعياً إلى ترك شرب هذا المائع ، وكذا الحال فيما إذا كان التكليف واصلاً صغرىً ، ولكنّه لم يصل كبرىً ، كما إذا علم أنّ هذا المائع المعيّن خمر ، ولكن لم يعلم حرمة شربه ، فلا يكون مجرّد العلم بكونه خمراً مؤثراً في تركه.
ومن ذلك قلنا إنّه لا فرق في جريان البراءة بين الشبهات الحكمية والموضوعية ،