اسم الکتاب : أربع رسائل كلاميّة المؤلف : الشهيد الأول الجزء : 1 صفحة : 111
عنه ، والعلم
بالغنى عنه ؛ فإنّ الجاهل بغنائه عن القبيح قد يفعله لاعتقاد حاجته.
قال : ( إذا تمهّد ذلك ، فلو لم يجب التكليف على الله تعالى ،
لزم عدم وجوب الزجر عن القبائح بل كان مغريا بها. والتالي باطل ؛ لاستحالة فعل
القبيح ، والإخلال بالواجب عليه تعالى ، فكذلك المقدّم ).
أقول : قد سلف منّا ما يغني عن إيضاح ذلك ، فليراجع.
ثمّ قال : ( ولا
تمنع الملازمة بعلم المدح والذمّ ؛ لأنّهما مخصوصان بما يستقلّ العقل بدركه ، لا
بباقي السمعيّات ، ومع ذلك فكثير من العقلاء لا يعبأ بهما ، ويفعل بمقتضى الشهوة
والغضب فيتحقّق الإغراء حينئذ ).
أنّ العلم بالمدح
على الحسن ، والذمّ على القبيح كاف في الإقدام على الأوّل ، والإحجام عن الثاني ،
فيحصل الزجر بذلك العلم ، فتوسّط الأمر والنهي عار عن الفائدة. والجواب من طريقين
:
[
الطريق ] الأوّل : أنّ ما ذكرت من العلم الباعث والزاجر لا يطّرد ، بل هو فيما يستقلّ العقل
بدركه خاصّة ، فيبقى القسم الآخر خاليا عن ذلك ، فليكن الأمر والنهي له ؛ لئلاّ
يلزم الإغراء فيه.
الطريق
الثاني : أنّ كثيرا من
العقلاء لا يلتفت إليهما ، ويفعل مقتضى شهوته من غير نظر فيهما ، وإن نظر قدّم
قضاء وطره عليهما ، فلو لا التكليف السمعيّ وما يترتّب عليه من المثوبات والعقوبات
لعدم الانزجار الموجب للبأس عن كثير من الناس ، فصدّقت الملازمة حينئذ.
واعلم أنّ في هذين
الجوابين نظر ؛ من حيث استلزامهما خروج بعض الأشخاص من علّة التكليف السمعي ، وهم
المكتفون بالعلم بالمدح والذمّ عن الأمر والنهي ، وكذا يخرج ما يستقلّ العقل بدركه
على ما عرفت ، فلا يكون التكليف السمعيّ عامّا إلاّ أن يقال : ما يستقلّ العقل
بدركه ، والمكتفون بالمدح والذمّ جاء السمع مؤكّدا له ، مع
اسم الکتاب : أربع رسائل كلاميّة المؤلف : الشهيد الأول الجزء : 1 صفحة : 111