وفي ختام هذه الرسالة يشير الإمام عليه السلام إلى‌ نهاية الحياة والحوادث التي سيواجهها الإنسان بعد مماته لغرض إيقاظ وجدان هذا الوالي وتحريك عناصر الخير في نفسه ويبيّن له الخطر الكامن في هذا الطريق الذي سلكه، يقول:

«فَضَحِ‌ [1]

رُوَيْداً، فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى‌ [2]، وَدُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى‌ [3]، وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ‌

بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ، وَيَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [4]».

وهنا نرى أنّ الإمام عليه السلام أميرالمؤمنين هو ذلك المعلم اليقظ والقائد الفذ يسعى لتنبيه مخاطبه بهذه العبارات الشديدة، ويلفت نظره إلى‌ ما سيواجهه في ساعات الموت ومن ثمّة الدفن تحت التراب والحضور في ساحة المحشر للحساب في محكمة العدل الإلهي وما سيعيشه من حالات الندم الشديد وتمنيه العودة للدنيا ولكن بعد فوات الأوان كما تشير إلى‌ ذلك الآية الشريفة: «وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ» [5].

تأمّل‌

من هو ابن عباس؟

[1]. «ضَحَّ» صيغة أمر من مادة «تَضْحية» وفي الأصل تعني رعي الأغنام عند طلوع الشمس، وجملة «فَضَحَّ رُويْدَاً» تطلق على مورد يكون المقصود منه أنّ الأغنام تتحرك ببطء في المرتع إلى‌ أن تشبع تماماً، ثمّ استخدمت هذه الجملة في الموارد التي يقصد منها الحفظ والهدوء.

[2]. «مَدَى» تعني نهاية العمل والوصول إلى‌ سنين المتقدمة.

[3]. «الثَّرَى» تعني التراب.

[4]. مفردة «لاتَ» تعني للنفي، وفي الأصل «لا» النافية، واضيفت لها تاء التأنيث للتأكيد، «مناص» من مادة «نوص» وتعني الملجأ والملاذ، يقال: إنّ العرب عندما يواجهون حادثة صعبة وموحشة وحاصّة في الحروب يكررون هذه الكلمة ويقولون: مناص، مناص، يعني أين الملجأ، أين الملجأ؟ وبما أنّ هذه المفهوم يقترن مع الهرب والفرار، فإنّه يستخدم أحياناً محلّ الفرار والمهرب، ومن هذه الجهة فإنّ جملة «ولاتَ حِينَ مَناصٍ» تعني: لا يوجد طريق للفرار والنجاة.

[5]. سورة ص، الآية 3.