responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر الامثل المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 2  صفحة : 39

هذه الآية تواصل ما بحثته الآية السابقة، وتأمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يدع اولئك الذين يستهينون بأمر دينهم، ويتخذون ممّا يلهون ويلعبون به مذهباً لهم ويغترون بالدنيا وبمتاعها المادي: «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا».

وتشير هذه الآية إلى أنّ سلوكهم الحياتي من حيث المحتوى أجوف وواه.

إنّ‌

«دينهم»

يعني «دين الشرك وعبادة الأصنام» الذي كانوا يدينون به. فالآية لا تخصّ الكفار وحدهم، بل هي تشمل جميع الذين يتخذون من الأحكام الإلهية ومن المقدسات وسائل للتلهي ومل‌ء الفراغ وبلوغ الأهداف المادية الشخصية، اولئك الذين يجعلون الدين آلة الدنيا، والأحكام الإلهية ألعوبة أغراضهم الخاصة.

ثم يؤمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن ينبّههم إلى أعمالهم هذه وإلى أنّ هناك يوماً لابدّ لهم أن يستسلموا فيه لنتائج أعمالهم ولن يجدوا من ذلك مفرّاً: «وَذَكّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ» [1].

يوم لا شفيع ينفع ولا ولي سوى اللَّه: «لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ».

إنّهم يومئذ في حال صعبة مؤلمة يرزحون في قيود أعمالهم بحيث إنّهم يرتضون أن يدفعوا أيّة غرامة (إن كان عندهم ما يدفعونه) ولكنّها لن تقبل منهم: «وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّايُؤْخَذْ مِنْهَا» [2].

ذلك لأنّهم يكونون بين مخالب أعمالهم، ولا فدية تنجيهم، ولا توبة تنفعهم بعد أن فات الأوان: «أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا».

ثم يشار إلى جانب ممّا سيصيبهم من العذاب الأليم بسبب إعراضهم عن الحق والحقيقة:

«لَهُمْ شَرَابٌ مِن حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ».

إنّهم يتعذّبون بالماء الحريق من الداخل، ويكتوون بنار الجحيم.

إنّ جملة «أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا» هي بمثابة السبب الذي يمنع من قبول الغرامة ومن قبول أيّ شفيع وولي، أي إنّ عقابهم ليس لعلّة خارجية بحيث يمكن دفعها بشكل من‌


[1] «البسل»: هو حفظ الشي‌ء ومنعه بالقوّة والقهر، والإبسال حمل المرء على التسليم، كما تطلق الكلمة على الحرمان من الثواب، أو أخذ الرهائن، والجيش الباسل بمعنى القاهر الذي يحمل العدو على التسليم، والمعنى في الآية هو تسليم المرء وخضوعه لأعماله السيئة.

[2] «العدل»: بمعنى «المعادل» وهو ما يدفع جزاءاً وغرامة لقاء التحرر، وهو أشبه في الواقع بما يفتدى به.

اسم الکتاب : مختصر الامثل المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 2  صفحة : 39
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست