و معه يتمكن
العلماء الكبار المتضلعون في الفقه على الغور في مسائله، و كشف النقاب عن حقائقه،
و الوصول إلى دقائق لم يصل إليها المتقدمون منهم (جزاهم اللّه عن الإسلام خير
الجزاء) و يتقدم هذا العلم بمرور الزمان كتقدم سائر العلوم الإسلامية و غيرها.
و لذا نرى
الذين أغلقوا باب الاجتهاد في الفقه على أنفسهم، و حصروه في أئمّتهم الأربعة، و
منعوا الآخرين أن يحوموا حول هذا الحمى، إنّهم لم يتقدموا في هذا العلم إن لم نقل
أنّه مال عندهم إلى الغروب و الافول، بينما نرى الفقهاء الذين اقتدوا بأنوار أهل
بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله قد ازدهر الفقه عندهم قرنا بعد قرن و عصرا بعد
عصر، حتى بلغ إلى كثير من غاياته و أثمرت أغصانه، و طلعت أنواره، هذا و في الآونة
الأخيرة شوهدت- و الحمد للّه- معالم حركة من قبل فقهاء الطائفة الاولى نحو التجاوب
مع فقهاء أهل البيت عليه السّلام لفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، و لعل اللّه يحدث
بعد ذلك أمرا!
و من الجدير
بالذكر أنّ فقهاء أهل البيت عليه السّلام لم يقنعوا بفتح باب الاجتهاد فحسب، بل
أتّفقوا في ضوء إرشادات الأئمة المعصومين عليه السّلام على عدم جواز تقليد الفقهاء
الماضين ابتداء، و فرضوا على الناس تقليد العلماء الأحياء فقط، فصار هذا عندهم رمز
حياة الفقه و حركته المطّردة، مع ظهور آفاق جديدة في جميع شئونه و مسائله.
3- لا شكّ في
أنا نواجه اليوم مسائل كثيرة مستحدثة في أبواب المعاملات و العبادات لا بدّ من
الجواب عنها، لأنّ الإسلام دين خالد و أحكامه خالدة إلى الأبد و قد أكمل اللّه لنا
دينه و أتمّ علينا نعمته، و من المعلوم عندنا أنّ شيئا من هذه الأسئلة لا يبقى بلا
جواب، بل وردت أحكامها في الاصول الكليّة و القواعد العامّة في الكتاب و السنّة و
الإجماع و دليل العقل، و في ضوء الاهتداء بهذه الأنوار الإلهية (لا سيما الكتاب و
السنة) يتمّ كشف النقاب عنها، أ لم تسمع ما ورد في خطبة حجّة الوداع عن النبي صلّى
اللّه عليه و آله: «أيّها الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة و يباعدكم عن
النّار إلّا و قد أمرتكم به، و ما من شيء يقربكم إلى النار و يباعدكم عن الجنّة
إلّا و قد نهيتكم عنه» بل قد وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليه السّلام
أنّه: ما من شيء تحتاجه إليه الامّة إلى يوم القيامة إلّا و قد ورد فيه نصّ حتّى أرش
الخدش!