و ذلك أنّه كان الارث في أول الأمر بين المؤمنين بالهجرة و المؤاخاة في الدين،
فنسخت الآية هذا الحكم، و جعل اولي الأرحام بعضهم بالنسبة إلى البعض أولى من
غيرهم، فصار الارث بالقرابة و الرحم.
و ممّا ذكر يظهر أنّ ما هو المعروف في الأذهان من أن الآية ناظرة إلى طبقات
الارث، و أنّ الأقرب أولى من الأبعد غير صحيح، فانّه مبني على أن يكون «الباء» في
قوله تعالى: «أولى ببعض» بمعنى «من» حتى يكون المعنى: بعضهم أولى من بعضهم مع أنّ
المفضل عليه مذكور في نفس الآية مع «من»، و هو قوله «من المؤمنين و المهاجرين»
فأولو الأرحام أولى من غيرهم، فليكن هذا على ذكر منك و نرجع إلى البحث عن الحكم
الأوّل.
ذكر غير واحد من المفسرين أنّ الآية نزلت عند ما أراد النبي صلّى اللّه عليه و
آله غزوة تبوك و أمر الناس بالخروج، و قال ناس نشاور آبائنا و امهاتنا، فنزلت
(الآية و اكدت لهم أن اتباع أمره صلّى اللّه عليه و آله مقدم على غيره مطلقا) ذكره
في «روح البيان» [1].
و قريب منه في «مجمع البيان» إلّا أن فيه «نستأذن آبائنا و امهاتنا» [2].
و قد ذكر في المجمع في معنى هذه الجملة من الآية اقوالا:
«أحدها» إنّه أحق بتدبيرهم، و حكمه
أنفذ عليهم من حكمهم على أنفسهم.
«ثانيها» أنّ طاعته أولى من طاعة
أنفسهم و ما يميلون إليه.
«ثالثها» أنّ حكمه أنفذ عليهم من حكم
بعضهم على بعض.
و هي متقاربة المضمون و تتحد في النتيجة، و حاصلها وجوب اطاعته صلّى اللّه
عليه و آله في هذه الامور و ما يرتبط بمصالح المسلمين.
و هناك معنى رابع يستفاد من غير واحد من الروايات، مثل ما رواه في «تفسير
القرطبى»:
«أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا
يصلي على ميت عليه دين، فلما فتح اللّه عليه الفتوح قال أولى بالمؤمنين من أنفسهم،
فمن توفي و عليه دين فعليّ قضاؤه، و من ترك مالا فلورثته، اخرجه الصحيحان،