و لكن هذا خاص ببرهة من الزمان، فلو أنّ بلدا من البلاد و حكومة من الحكومات
لا يقوم أمرها إلّا بهذا النحو من الحكومة كان ذلك دليلا على اضمحلالها من الأصل،
و على أنّ دورها قد انتهى: و هكذا الإسلام لو قلنا أنّه لم يبق منه شيء إلّا من
طريق الأحكام الثانوية الاضطرارية، و هذا أمر ظاهر لا سترة عليه.
و خلاصة الكلام أنّ ليس دور هذا القسم من العناوين الثانوية الاضطرارية إلّا
حل المشكلات الناشئة عن الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية، و لا يمكن الأخذ بها في
جميع الحالات و جميع الظروف.
و بعبارة أوضح: لو قلنا إنّ نظام الامة الإسلامية في زماننا هذا لا يتم إلّا
بالأخذ بالعناوين الثانوية الاضطرارية في جميع الامور، فقد اعترفنا بنقص قوانين
الإسلام و عدم استيعابها لمصالح البشر في عصرنا هذا، و إلّا كانت العناوين الأولية
من أحكامه تعالى كافلة لهذه المهمة.
و هذا الاعتراف العملي، خطأ عظيم و ذنب لا يغفر، و نعوذ باللّه منه.
4- النسبة بين العناوين الثانوية و الأولية
و النسبة بينهما تارة تكون بالحكومة، كما في أدلة لا ضرر و الاضطرار، فان قوله
صلّى اللّه عليه و آله: «لا ضرر و لا ضرار في الإسلام» و قوله صلّى اللّه عليه و
آله: «و ليس شيء ممّا حرمه اللّه إلّا و قد احله لمن اضطر إليه» و كذلك أدلة
النذر و العهد و القسم كلها، بالنسبة إلى العناوين الأولية، و كل ما كان بلسانه
ناظرة إلى غيره، سواء جعله موسعا أو محدودا فهو حاكم عليه و المقام من هذا القبيل.
و اخرى: يكون مقدما عليه من جهة الرجحان في الملاك عند تزاحم الواجبين أو
المحرمين، كما في عنوان الأهم و المهم.
و الثالثة: من قبيل تقديم ما فيه الاقتضاء على ما ليس فيه الاقتضاء كوجوب
الأمر المباح إذا كان مقدمة للواجب، و كحرمته إذا كان مقدمة للحرام، فانّ أدلة
وجوب المقدمة عقلية لا