عمّا يوجب انفاذ الأحكام و إجرائها، اللّهم إلّا أثرا ضعيفا، بل السرّ في نفوذ
الإسلام على أكثر بقاع المعمورة من الأرض في مدّة قليلة قد لا تبلغ قرنا واحدا، هو
اعتماده على تأسيس الحكومة و ايجاد نظام لأمره، كما لا يخفى على الخبير.
ثالثها: الروايات الكثيرة الدالة على ضرورتها للامة الإسلامية منها ما يلى:
1- ما رواه في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه لما سمع كلام
الخوارج «لا حكم إلّا اللّه» قال: «كلمة حق يراد بها الباطل، و لكن هؤلاء يقولون
«لا أمرة إلّا للّه» و انّه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر، يعمل في أمرته
المؤمن، و يستمتع فيها الكافر و يبلغ اللّه فيها الأجل، و يجمع به الفيء، و يقاتل
به العدو، و تؤمن به السبل، و يؤخذ به للضعيف من القوى» [1].
و حاصله أنّ الحكم له معنيان: أحدهما: الحكم بمعنى تشريع القانون الإلهي فهو
منحصر بمشية اللّه و إرادته، و الثاني: بمعنى إجراء هذا القانون، و هذا لا يكون
إلّا بسبب إنسان إن كان برّا فهو، و إلّا خلفه فاجر، و لكن الخوارج قد لبسوا على
أنفسهم و على الناس بالخلط بين المعنيين، ثم أشار عليه السّلام إلى فوائد سبعة
لتأسيس الحكومة و انه لا تتيسر بدونها هذه الفوائد العظيمة.
و في بعض الروايات المروية من طرق العامة أنّه لما قال عليه السّلام: لا يصلح
الناس إلّا بأمير بر أو فاجر، قالوا: يا أمير المؤمنين! هذا البر، فكيف بالفاجر؟
قال: «إن الفاجر يؤمن اللّه به السبل، و يجاهد به العدو، و يجيى به الفيء، و يقام
به الحدود و يحج به البيت، و يعبد اللّه فيه المسلم آمنا» [2].
و هذا دليل أيضا على أن حكومة الظالمين و إن كانت على خلاف ما أمر اللّه به و
لكنه أحيانا يحصل بها بعض المنافع المترقبة من الحكومة العادلة، كالموارد المذكورة
في الرواية، و هذا أمر ظاهر في بعض الحكومات التي نرى في شتى نواحي العالم.
2- الرواية المعروفة لفضل بن شاذان رواها في «علل الشرائع» و فيها بيان علل
كثيرة