و الذي يمكن القول باستقرار بناء العقلاء على تداركه هو الصور الثلاث الاولى،
أمّا الصورة الأخيرة فلا دليل على لزوم تداركه و إن كان ظاهر كلمات الفقهاء (قدس
اللّه اسراهم) عاما شاملا للجميع، و الظاهر انصراف قوله عليه السّلام: «على اليد
ما أخذت حتى تؤديه» عن ذلك، نعم لو كان هذا الحكم حكما تعبديا أمكن الأخذ باطلاق الحديث
لعدم قصور فيه، و لكن لما كان امضاء لبناء العقلاء، و قد عرفت عدم بنائهم على ذلك
ظاهرا، فيشكل إلّا بهذا الإطلاق، بل يمكن الترديد في بناء الفقهاء على ذلك، و لعل
محل كلامهم غير هذه الصورة فتأمل.
و سيأتي إن شاء اللّه مزيد توضيح ذلك.
الدليل الثاني: قاعدة الاقدام التي استند إليها الشيخ قدّس سرّه في ما عرفت من
المبسوط و حاصلها: أن البائع أو مثله إذا دخل في المعاملة على أن يكون ضامنا للعين
بالعوض المسمى فقد أقدم على ضمانه، و رضي بذلك، و لما كان البيع فاسدا و لم يتمّ
المسمى يكون الضمان بالمثل أو القيمة ثابتا لازما.
أقول: الاقدام بحسب الصغرى و إن كان معلوما لا ريب فيه، و لكن الإشكال في
كبراه، فان كون الإقدام سببا للضمان ممّا لم يدلّ عليه دليل عقلي و لا شرعي.
نعم: إذا كان الإقدام من الطريق المعروفة الصحيحة عند الشرع و العقلاء، أعني
من طريق البيع الصحيح و نحوه، كانت أدلة صحة البيع و نحوه دليلا على المقصود، لكن
المفروض كون البيع أو العقد فاسدا فيما نحن فيه.
اللّهم إلّا أن ترجع هذه إلى قاعدة احترام المال و المنافع و الأعمال، و لكن
الإنصاف أنّ قاعدة الاحترام تقضي الضمان و إن لم يكن من قصده الاقدام على الضمان.
و بعبارة اخرى: تمام الموضوع في قاعدة الاحترام هو التسلط على مال الغير أو
منافعه و المزاحمة في سلطانه بغير إذنه و رضاه، سواء قصد الضمان أو لم يقصد بل قصد
المجانية، فرجوع الاقدام إليها بعيد جيدا.
هذا و قد أورد عليها: بإنكار الصغرى تارة، و عدم كونها جامعة مانعة ثانيا.
أمّا الاولى: فإنّه أقدم على المسمى و لم يتحقق، و أمّا الضمان بالمثل فلم
يقدم عليه فالاقدام منتف.