سلّمنا، و لكن هذا الأمر النفساني بمجرّده لا يصدق عليه العقد إذا لم ينظم
إليه إنشاء القبول في زمن مناسب، و لا أقول: إنّ الالتزام النفساني ينعدم، بل
أقول: إنّ وجوده غير كاف في صدق العقد بدون الانضمام في زمن قريب، و إن شئت اختبر
نفسك في ما إذا انشأت بيعا، بعد عدّة شهور أو سنين جاء المشتري و قبله، فهل تراه
عقدا يجب الوفاء به بحكم الشرع و العقلاء؟
الأمر الثاني: عموم وجوب الوفاء منصرف إلى العقود المتعارفة، سلّمنا صدق العقد
على المنفصل في الجملة لكنه خارج عن منصرف العموم لأنّه متعارف، و هذا هو الذي
أشار إليه صاحب الجواهر قدّس سرّه فيما عرفت، و الانصاف أنّه كذلك حيث ينصرف الذهن
في هذه الاطلاقات و العمومات بما دارت بين العقلاء من عقودهم و بيوعهم و تجاراتهم
إلّا ما خرج بالدليل، و المعمول بينهم هو العقد المتصل عرفا.
الأمر الثالث: ما حكي عن بعض المشايخ من أنّ حقيقة البيع و ما يشبهه من العقود
هي من قبيل الخلع و اللبس، فإذا وقع خلع لا بدّ أن يقاربه لبس و لا يتأخر عنه.
و فيه: إنّ هذا كلام شعري لا يساعد عليه دليل، مضافا إلى أنّ الخلع لا يكون
بفعل الموجب، و اللبس بفعل القابل، بل الخلع و اللبس كلاهما يقعان في آن واحد
بمجموع العقد، أعني الإيجاب و القبول كليهما.
هذا و قد يستدل على عدم اعتبار الموالاة بالسيرة القطعية على ارسال الهدايا من
البلاد النائية و وصولها إلى أيدي المهدى إليهم بعد شهر أو شهور، و لم يسمع من أحد
الإشكال فيها للفصل الطويل بين الإيجاب و القبول.
و كذا ما يقع بين التجار من البيع و الشراء بالكتابة و شبهها مع ما بين
الإيجاب و القبول فيها من الفصل الطويل و لم يناقش فيها أحد من أهل العرف.
و استدل أيضا بقصة مارية القبطية الموهوبة للنبي صلّى اللّه عليه و آله من
النجاشي بعد إسلامه و لا فرق بين الهبة و غيرها (انتهى ملخصا).
و أنت خبير بأنّ شيئا من ذلك لا يسمن و لا يغني، بل هي أجنبية عمّا نحن بصدده.
أمّا مسألة الهدايا، و منها حديث مارية زوجة النبي صلّى اللّه عليه و آله فلا
شك إنّها هبة معاطاتية و ليس بين إيجابها و قبولها فصل و لو بلحظة، إنّ إيجابها
إنّما يتمّ عند وصولها إلى يد