و القبول، لأنّ للعقد هيئة اتصالية في نظر العرف، بل هو بطرفيه (الإيجاب و
القبول) بمنزلة كلام واحد يرتبط بعضه ببعض، فكما لا يجوز الفصل الطويل بين أجزاء
كلام واحد و إلّا لم يصدق عليه كلام واحد، فكذلك العقد.
هذا و قد أورد عليه بوجهين:
أحدهما: إنّ الدليل على صحة المعاملات عموما و البيع خصوصا، ليس خصوص وجوب
الوفاء بالعقود، بل يجوز التمسك بما دلّ على حلية البيع و التجارة و صدقهما مع
الفصل ظاهر.
ثانيهما: المنع من عدم صدق العقد على ما كان فيه فصل بين الإيجاب و القبول، و
ذلك لأنّ العقد ليس اسما للفظ المركب منهما، بل هو عبارة عن الأمر النفساني الذي
هو العهد، و هذا لا ينفصم بمجرّد الفصل بين الإيجاب و القبول، غاية الأمر أنّ
الاعتبار القائم بالنفس يحتاج إلى مظهر، و إن شئت قلت: العقد عبارة عن اتصال
الالتزامين، و هذا المعنى حاصل ما لم يرجع الموجب عن التزامه، مهما كانت الفاصلة
(انتهى ملخصا).
هذا و لكن الانصاف أنّ شيئا منهما غير صالح للجواب، لأنّ البيع و إن كان
بعنوان المعاطاة كان خارجا عن محل الكلام، و إن كان بعنوان العقد اللفظي و البيع
بالصيغة أمكن المنع عن صدق البيع، إذا قال البائع: بعت هذه الدار بهذا المبلغ،
فقال المشتري بعد شهر في مجلس رأى البائع فيه: قبلت ما ذكرت قبل أو سنة، فإن صدق
البيع و التجارة على مثل ذلك محل منع أو محل شك، و إن بقي البائع على نيّته و
اعتباره.
و أمّا حديث كون الإنشاء اعتبارا مبرزا فقد عرفت الإشكال فيه بما لا يحتاج إلى
التكرار، و أنّ حقيقة الإنشاء إيجاد الاعتبارات العقلائية بأسبابها، فإنّهم
يعتبرون الملكية لمن اشترى شيئا و أوجدها في عالم الاعتبار بأسبابها، فليست
الملكية أمرا تكوينيا كما أنّه ليس مجرّد اعتبار في نفس المنشئ بل هي اعتبار عند
العقلاء و أهل العرف يوجد بأسبابه.
فالعقد هو هذا الإنشاء اللفظي أو الكتبي أو غير ذلك بماله من المعنى، و لكن
بعد ما حصل الإنشاء بأسبابها يرون له بقاء، و لذلك يجعلون للعقد تاريخا معينا، و
إن شئت قلت: العقد اسم للعقد السببي.