بالرغم من أنّ بعض السطحيين أرادوا الاستفادة من هذه الآيات لنفي العصمة عن
الأنبياء، و قالوا أنّه طبقا للآيات أعلاه و أسباب النّزول المرتبطة بها إنّ
الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد أبدى ليونة إزاء عبدة الأصنام، و أنّ
اللّه عاتبه على ذلك. إلّا أنّ هذه الآيات صريحة في افهام مقصودها بحيث لا تحتاج
إلى شواهد أخرى على بطلان هذا النوع من التفكير، لأنّ الآية الثّانية تقول و
بصراحة: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ
كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا. و مفهوم التثبيت الإلهي (و الذي نعتبره بأنّه العصمة) أنّه منع رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من التوجه إلى مزالق عبدة الأصنام، و لا يعني ظاهر
الآية- في حال- أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مال إلى المشركين، ثمّ نهي عن
ذلك بوحي من اللّه تعالى.
و توضيح ذلك، إن الآية الأولى و الثّانية هما في الحقيقة إشارة إلى حالتين
مختلفتين للرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الحالة الأولى هي الحالة البشرية
و الإنسانية و التي تجلّت بشكل واضح في الآية الأولى، و بمقتضى هذه الحالة يمكن
تأثير وساوس الأعداء في الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاصّة إذا كانت ثمّة
مرجحات في إظهار الليونة و التوجّه إليهم، من قبيل رغبته صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم في أن يسلم زعماء الشرك بعد إظهار الليونة، أو أن يمنع بذلك سفك الدماء، و
الآية تكشف عن احتمال وقوع الإنسان العادي و مهما كان قويا تحت تأثير الأعداء.
أمّا الآية الثّانية فهي ذات طبيعة معنوية، إذ هي تبيّن العصمة الإلهية و لطفه
الخاص سبحانه و تعالى الذي يشمل به الأنبياء خصوصا نبي الإسلام صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم حينما يمر بمنعطفات و مزالق دقيقة.
و النتيجة أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالطبع البشري قد وصل إلى
حافة القبول ببعض وساوس الأعداء، إلّا أن التأييد الإلهي (العصمة) ثبته و حفظه و
أنقذه من الانزلاق.