من البديهي أنّ اللّه سبحانه ليس له عرش، و لا محكومة كحكام البشر، بل المراد
من عرش اللّه كل عالم الوجود الذي يعتبر عرشه، و بناء على هذا فإنّ قوله تعالى: اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ كناية عن تسلط اللّه، و إحاطته الكاملة بعالم الوجود، و نفوذ أمره و تدبيره
في جميع أنحاء العالم.
و أساسا فإنّ كلمة «عرش» في لغة العرب، كناية عن القدرة غالبا، فنقول مثلا: إن
فلانا قد أنزلوه من العرش، أو أزاحوه عنه، فهذا يعني أنّهم قد أنهوا حكمه و قدرته،
أو نقول: ثل عرشه.
و على كل حال، فإنّ من السخف أن يتوهم الإنسان من هذا التعبير جسمية اللّه
سبحانه.
ثمّ تتحدث عن مالكية اللّه بعد حاكميته فتقول: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما
بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى.
الثرى» في الأصل بمعنى التراب الرطب، و لما كانت قشرة الأرض- فقط- هي التي تجف
نتيجة لأشعة الشمس و هبوب الرياح، و تبقى الطبقة السفلى- غالبا- رطبة، فإنّه يقال
لهذه الطبقة: ثرى، و على هذا فإن وَ ما
تَحْتَ الثَّرى تعني أعماق الأرض و جوفها، و كلها مملوكة
لمالك الملك و خالق عالم الوجود.
إلى هنا بينت ثلاثة أركان من أركان صفات اللّه: الركن الأوّل: «خالقيته»، و
الثّاني: «حاكميته»، و الثّالث: «مالكيته».
و أشارت الآية التالية إلى الرّكن الرّابع، أي: «العالمية»، فقالت: «وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ
وَ أَخْفى. و هناك نقاش و بحث بين المفسّرين في المراد
من «أخفى» هنا:
فذهب بعضهم إلى أنّ السر هو أن يتحدث إنسان مع آخر بصورة خفية،