الظالمين فيها. و قد استدل هؤلاء لدعم هذا التّفسير بالآية (23) من سورة
القصص: وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ .. حيث أن للورود هنا نفس المعنى.
و التّفسير الثّاني الذي اختاره أكثر المفسّرين، هو أن الورود هنا بمعنى
الدخول، و على هذا الأساس فإنّ كل الناس بدون استثناء- محسنهم و مسيئهم- يدخلون
جهنم، إلّا أنّها ستكون بردا و سلاما على المحسنين، كحال نار نمرود على إبراهيم يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ، لأنّ النّار ليست من سنخ هؤلاء الصالحين، فقد تفر منهم و
تبتعد عنهم، إلّا أنّها تناسب الجهنميين فهم بالنسبة للجحيم كالمادة القابلة
للاشتعال، فما أن تمسهم النار حتى يشتعلوا.
و بغض النظر عن فلسفة هذا العمل، و التي سنشرحها فيما بعد- إن شاء اللّه
تعالى- فإنّ ممّا لا شك في أنّ ظاهر الآية يلائم و ينسجم مع التّفسير الثاني، لأنّ
المعنى الأصلي للورود هو الدخول، و غيره يحتاج إلى قرينة. إضافة إلى أن جملة ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا و كذلك جملة وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها كلتاهما شاهدتان على هذا المعنى. علاوة على الرّوايات
المتعددة الواصلة إلينا في تفسير الآية التي تؤيد هذا المعنى، و من جملتها:
روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّ
رجلا سأله عن هذه الآية، فأشار جابر بإصبعيه إلى أذنيه و قال: صمتا إن لم أكن سمعت
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:
«الورود الدّخول، لا يبقى بر و لا
فاجر إلّا يدخلها، فتكون على المؤمنين بردا و سلاما كما كانت على إبراهيم، حتى أن
للنّار- أو قال لجهنم- ضجيجا من بردها، ثمّ ينجي اللّه الذين اتقوا و يذر الظالمين
فيها جثيا» [1].
و
في حديث آخر عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «تقول النّار للمؤمن يوم القيامة: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي» [2]!