نيّرة إزاء المؤثرات التي تحيط بهم و لو بلغت في عتوها و ضغطها مبلغا شديدا،
إنّهم كالجبال في مقابل الصعوبات و الشدائد، إذا وهبتهم الدنيا فلا يؤثر ذلك فيهم،
و إذا أخذت منهم العالم أجمع لا يتأثرون.
و العجيب في الأمر أنّ هؤلاء القوم الذي يخسرون أنفسهم و الذين تذكرهم السور
القرآنية في آيات متعدّدة (مثل يونس- آية 12، لقمان- آية 32، الفجر- آية 14، 15،
فصلت- الآية 48، 49) هم أنفسهم يعودون إلى اللّه، و يستجيبون لنداء الفطرة عند ما
تنزل بهم النوازل و تقع بساحتهم الشدائد، و لكنّهم عند ما تهدأ أمواج الحوادث و
الضواغط يتغيرون، أو في الواقع يعودون إلى ما كانوا عليه سابقا و يكون مثلهم كمن
لم يسمع باللّه الذي خلقه و أنقذه! إنّ العلاج الوحيد لهذا المرض هو رفع مستوى
الفكر في ظل العلم و الإيمان، و ترك العبودية لما هو دون اللّه و سواه، و فك
الارتباط مع الشهوة و المادة، و العيش في إطار من القناعة و الزهد البنّاء.
و ممّا ذكرنا تظهر الإجابة على سؤال، و هو: إنّ الآيات التي نبحثها تصف حال
مثل هؤلاء الأشخاص عند الصعوبات و الشدائد ب «يؤوس» في حين أنّ آيات أخرى مثل
الآية (65) من سورة العنكبوت تصفهم بأنّهم
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و هي دلالة على
غاية التوّجه نحو الخالق عزّ و جلّ؟
في الواقع ليس ثمّة من تضاد بين هاتين الحالتين، بل إنّ إحداهما هي بمثابة
مقدمة للأخرى، فهؤلاء الأشخاص عند ما تصادفهم المشكلات ييأسون من الحياة، و هذا
اليأس يكون سببا لأنّ تزول الحجب عن فطرتهم و يلتفتون لخالقهم العظيم.
إنّ هذا التوّجه الاضطراري إلى الخالق عزّ و جلّ- طبعا- ليس فخرا لأمثال هؤلاء
و ليس دليلا على يقظتهم، لأنّهم بمجرّد انصراف المشاكل عنهم يعودون إلى حالتهم
السابقة.