إنّ هذه العبارة يمكن أن يكون لها جانب تهديد في مقابل معارضاتهم و مخالفتهم،
و كأنّه يريد أن يقول: أنا أعلم بعقوبات إلهية أليمة تنتظر العصاة لا تعلمون شيئا
عنها، أو تكون إشارة إلى لطف اللّه و رحمته، و تعني أنّكم إذا أطعتم اللّه، و
كففتم عن تعنتكم، فإنّي أعلم مثوبات عظيمة لكم لا تعلمونها و لم تقفوا لحدّ الآن
على سعتها. أو تكون إشارة إلى أنّني إذا كنت قد كلفت بهدايتكم فإنّني أعلم أمورا
عن اللّه العظيم و عن أوامره لا تعرفونها، و لهذا يجب أن تطيعوني و تتبعوني. و لا
مانع من أن تكون كل هذه المعاني مقصودة و مجتمعة في مفهوم الجملة الحاضرة.
و في الآية اللاحقة نقرأ لنوح كلاما آخر قاله في مقابل استغراب قومه من أنّه
كيف يمكن لبشر أن يكون حاملا لمسؤولية إبلاغ الرسالة الإلهية، إذ قال: أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ
عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ، وَ لِتَتَّقُوا وَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ.
يعني: أيّ شيء في هذه القضية يدعو إلى الاستغراب و التعجب، لأنّ الإنسان
الصالح هو الذي يمكنه أن يقوم بهذه الرسالة أحسن من أي كائن آخر. هذا مضافا إلى
أنّ الإنسان هو القادر على قيادة البشر، لا الملائكة و لا غيرهم.
و لكن بدل أن يقبلوا بدعوة مثل هذا القائد المخلص الواعي كذبه الجميع، فأرسل
اللّه عليهم طوفانا فغرق المكذبون و نجا في السفينة نوح و من آمن فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي
الْفُلْكِ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا.
و في خاتمة الآية بين دليل هذه العقوبة الصعبة، و أنّه عمى القلب الذي منعهم
عن رؤية الحق، و أتباعه إِنَّهُمْ كانُوا
قَوْماً عَمِينَ[1].
و هذا العمى القلبي كان نتيجة أعمالهم السيئة و عنادهم المستمر، لأنّ
[1] «عمين» جمع عمي، و هو يطلق عادة
على من تعطلت بصيرته الباطنية، و لكن الأعمى يطلق على من فقد بصره الظاهري، و كذلك
يطلق على من فقد بصيرته الباطنية أيضا (و عمي حينما يدخل عليها الإعراب تتبدل إلى
عم).