و في الحقيقة، أنّ اللّه سبحانه يريد في هذا الإعلان العام في مكّة المكرمة، و
في ذلك اليوم العظيم، أن يوصد كل ذريعة يتذرع بها المشركون و الأعداء، و يقطع
ألسنة المفسدين، لئلا يقولوا: إنّهم استغفلوا في الحملة أو الهجوم عليهم، و إن ذلك
ليس من الشّهامة و الرجولة.
كما أنّ التّعبير ب «إلى الناس» مكان أن يقال «إلى المشركين» يدل على وجوب
إبلاغ هذا «الأذان» و الإعلام لجميع الناس الحاضرين في مكّة ذلك اليوم، ليكون غير
المشركين شاهدا على هذا الأمر أيضا.
ثمّ يتوجه الخطاب في الآية إلى المشركين أنفسهم ترغيبا و ترهيبا، لعلهم
يهتدون، إذ تقول الآية: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ.
أي أنّ الاستجابة لرسالة التوحيد فيها صلاحكم و فيها خير لكم و لمجتمعكم و
دنياكم و آخرتكم، فلو تدبّرتم بجد و صدق لرأيتم أن قبول الدعوة هو البلسم الشافي
لكلّ جراحاتكم و ليس في الأمر منفعة للّه أو لرسوله.
ثمّ إنّ الآية تحذر المخالفين المعاندين المتعصبين فتقول: وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ
مُعْجِزِي اللَّهِ. فلا يمكنكم الخروج من
دائرة قدرته المطلقة بحال.
و كما أشرنا من قبل فإنّ إلغاء هذه العهود من جانب واحد- و رفض عهد المشركين-
يختص بأولئك الذين دلّت القرائن على استعدادهم لنقض عهدهم و بدت بوادره، لذلك فإنّ
الآية استثنت قسما منهم لوفائهم بالعهد، فقالت إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ
لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا
إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ