خاصّة إلى مداه الرحب و صيرته عالميّا، و الجهاد علّم المسلمين أنّهم إذا لم
يعتمدوا على قدراتهم فإنّ عدوّهم الذي لا يلتزم بأيّة مقررات سوف لا يعترف لهم
بأدنى حقّ. سوف لا يعطيهم حقوقهم المشروعة، و لا يصيخ لهم سمعا أبدا.
و اليوم إذا أردنا انقاذ الإسلام من الطرق المسدودة، و إزاحة الموانع التي
جعلها الأعداء في طريقه من كل جهة، فلا سبيل إلى ذلك إلّا باحياء هذين الأصلين:
الهجرة و الجهاد.
فالهجرة توصل صوت المسلمين إلى أسماع العالم كله، و تروي ظمأ القلوب المتعطشة
للحق و العدل و من هو في شوق إلى معرفة الحقيقة.
و الجهاد يهب المسلمين التحرك و الحياة، و يبعد أعداءهم الذين لا ينفعهم إلّا
منطق القوة عن قارعة الطريق و يبيدهم.
و قد حدثت الهجرة في الإسلام مرارا. فكانت هجرة المسلمين من مكّة إلى الحبشة
حيث غرسوا بها الإسلام خارج الجزيرة العربية و بنوا فيها حصنا للمسلمين الأوائل
قبال ضغوط أعدائهم.
ثمّ هجرة النّبي و المسلمين الأولى إلى المدينة، و لهؤلاء المهاجرين الذين
يطلق عليهم (مهاجرو بدر) أهمية قصوى في تأريخ الإسلام، لأنّهم اتّجهوا ظاهرا نحو
مستقبل مجهول مظلم، و غضوا ابصارهم عن جميع ما ملكوه في سبيل اللّه، و أعرضوا عن
حطام الدنيا.
هؤلاء المهاجرين أي: «المهاجرون الأوّلون» مثلوا في الحقيقة الحجر الأساس لصرح
الإسلام العظيم، و القرآن يثني عليهم بالتكريم و التعظيم، و لوليهم عناية خاصّة،
لأنّهم كانوا من أشد المسلمين تضحية.
«الهجرة الثّانية» أطلقت على هجرة
طائفة أخرى من المسلمين إلى المدينة، و ذلك بعد صلح الحديبية و الحصول على محيط
آمن نسبيا بعد هذا الصلح، و قد تطلق الهجرة على كل مهاجر من مكّة إلى المدينة حتى
بعد واقعة