و هذا الاختلاف الظاهر بين الآيتين جعل بعضهم يقول: إن الآية الأولى- من
الآيتين محل البحث- نسختها الآية الثّانية، أو أنّه حمل الآية الأولى على
الاستحباب و الثّانية على الوجوب، أي إذا كان عدد الأعداء ضعف عدد المسلمين فيجب
عليهم عدم التراجع عن ساحة الجهاد و القتال، أمّا إذا زاد عددهم عن الضعف حتى بلغ
عشرة أضعافهم فلهم عندئذ أن لا يقاتلوهم، و إن كان الأفضل لهم أن لا ينسحبوا عن
جهادهم العدوّ.
إلّا أنّ بعض المفسّرين يرون أن الاختلاف الظاهري الموجود بين الآيتين لا يدل
على النسخ، و لا يدل على الاستحباب، بل إن لكل واحدة من الآيتين حكما معينا، فعند
ما يبتلى المسلمون بالضعف و الخور و يكثر فيهم المقاتلون غير المحنّكين أو غير
المدرّبين و لا المتهيئين للقتال، فعندئذ يكون معيار العدد هو نسبة الضعف. أمّا
إذا كان المقاتلون على استعداد تام، أشداء في إيمانهم و عزائمهم كالكثير من أبطال
بدر، فالنسبة عندئذ ترتقي إلى عشرة أضعاف.
فبناء على ذلك فإنّ الحكمين في الآيتين محل البحث يرتبطان بالطائفتين
المختلفتين و في ظرفين متفاوتين.
و بهذا لا يوجد نسخ في الآي هنا، و إذا وجد في الرّوايات التعبير بالنسخ
فينبغي الالتفات إلى أن النسخ ذو معنى واسع و يشمل التخصيص في بعض الموارد.
2- أسطورة توازن القوى
إنّ الآيتين- محل البحث- تتضمنان هذا الحكم المسلّم به، و هو أنّ على المسلمين
ألّا ينتظروا موازنة القوى الظاهرية بينهم و بين العدو، بل عليهم أن ينهضوا
لمواجهته و إن كان ضعف عددهم، بل حتى لو كان عشرة أضعاف عددهم