مع أنّ الآية السابقة أو ضحت هدف الجهاد في الإسلام بقدر كاف، فإنّ الآية
التالية التي تتحدّث على الصلح بين المسلمين توضح هذا الأمر بصورة أجلى فتقول وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها.
و يحتمل في تفسير هذه الجملة المتقدمة أنّهم إذا بسطوا أجنحتهم للسلم فابسط
جناحيك أنت للسلم أيضا، لأنّ «جنحوا» فعل مصدره «الجنوح» و هو الميل، و يطلق على
كل طائر أنّه «جناح» أيضا، لأنّ كل جناح في الطائر يميل إلى جهة، لذلك يمكن
الاستناد في تفسير هذه الآية إلى جذر اللغة تارة، و إلى مفهومها الثّانوي تارة
أخرى.
و لمّا كان الناس يترددّون أغلب الأحيان عند ما يراد التوقيع على معاهدة
الصلح، فإنّ الآية تأمر النّبي بعدم التردد في الأمر إذا كانت الشروط عادلة و
منسجمة مع المنطق السليم و العقل، فتقول: وَ
تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
و مع ذلك فهي تحذر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمين من احتمال
الاحتيال و الخداع في دعوة الأعداء، إلى الصلح، فقد تكون دعوة للتمويه و الرّغبة
في توجيه ضربة مفاجئة، أو يكون هدفهم هو تأخير الحرب ليتمكنوا من إعداد قوات أكثر،
إلّا أنّ الآية تطمئن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن لا يخشى هذا الأمر
أيضا، لأنّ اللّه عزّ و جلّ سيكفيه أمرهم و سينصره في جميع الأحوال، إذ تقول: وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ
اللَّهُ.
و سيرتك أيّها النّبي- السابقة- شاهدة على هذه الحقيقة، لأنّ اللّه هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ.
فكم أرادوا بك كيدا، و كم مهدوا و أعدّوا لك من خطط مدمّرة بحيث لم تكن الغلبة
عليها بالوسائل المألوفة ممكنة، لكنّه عزّ و جلّ حفظك و رعاك في مواجهة