ففي القرون الأولى كان الإسلام يتقدم في العالم بسرعة، و يبث في كل مكان منه
أنوار العلم و الحريّة، و يبسط ظلاله على أقوام جدد بالثقافة و العلوم، فكان ذا
قدرة متحركة و محركة و بنّاءة معا، و جاء بمدينة زاهرة لم يشهد التاريخ مثلها، و
لم تمر بضعة قرون حتى أخذ الخمول يعطل تلك الحركة، و أخذت الفرقة و التشتت و الضعف
و الخور و التخلف مكان ذلك الرقي، حتى بدأ المسلمون يمدون أيديهم إلى الآخرين طلبا
لوسائل الحياة الابتدائية، و يبعثون بأبنائهم إلى ديار الأجانب لأخذ الثقافة و
العلم، بينما كانت جامعات المسلمين يومئذ من أرقى جامعات العالم العلمية و المراكز
التي تهوي إليها أفئدة الأصدقاء و الأعداء ابتغاء المعرفة.
لكن الأمور بلغت حدا بحيث أنّهم لم يصدروا علما و صناعة، بل استوردوا ما
يحتاجونه من خارج بلدانهم.
و أرض فلسطين التي كانت يوما مركز مجد المسلمين و عظمتهم و لم يتمكن
الصليبيون- لمدّة مائتي عام- برغم تقديمهم ملايين القتلى و الجرحى من ابترازها من
أيدي المقاتلين المسلمين. إلّا أنّهم أسلموها «اليوم» خلال ستة أيّام ببساطة، في
وقت كان عليهم أن يعقدوا المؤتمرات أشهرا و سنين لإرجاع شبر منها. و لا يعرف بعد
هذا إلى أية نتيجة سيصلون؟
ألم يعد اللّه عباده بالقول: وَ كانَ حَقًّا
عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[1] أو قوله: وَ لِلَّهِ
الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ[2].