أنّ التكرار أو التأكيد على المسائل الحساسة من أصول البلاغة، و يلاحظ في
أقوال البلغاء و الفصحاء، لكنّ في الآيات- آنفة الذكر- فرقا مهما يخرج تلك العبارة
عن صورة التكرار. و هو أنّ الآية الأولى تشير إلى الجزاء الإلهي في مقابل إنكار
آيات الحق و التكذيب بها، ثمّ تمثل حال هؤلاء بقوم فرعون و الأقوام السابقين.
إلّا أنّ الآية الثّانية تشير إلى تبدل النعم في الدنيا و ذهاب المواهب
الرّبانية، مثل الانتصارات و الأمن و القدرات و ما يفتخر به. ثمّ مثّلت الآية بحال
فرعون و الأقوام السابقين.
ففي الحقيقة أنّ جانبا من الكلام كان عن سلب النعم و ما ينتج عن ذلك من
الجزاء، و يقع الكلام في جانب آخر منه على تبدل النعم و تحوّلها.
ملاحظتان
1- أسباب حياة الشعوب و موتها
يعرض التأريخ لنا شعوبا و أممّا كثيرة، فطائفة اجتازت سلّم الرقي بسرعة، و
وصلت طائفة ثانية إلى أسفل مراحل الانحطاط، و طائفة ثالثة عاشت يوما في تشتت و
ضياع و تناحر و تفرقة، ثمّ قويت في يوم آخر، و طائفة رابعة على العكس منها إذ سقطت
من أعلى مراتب الفخر إلى قعر و ديان الذلة و الضياع.
و الكثير من الناس يمرّون مرور الكرام على حوادث التأريخ المختلفة دون أي تفكر
فيها، و الكثير منهم بدلا من البحث في العلل أو الأسباب الواقعية لحياة الشعوب و
موتها يرجعون ذلك إلى أسباب وهمية و خيالية.
و يرجعوها آخرون إلى حركة الأفلاك و دورانها إيجابا و سلبا.
و أخيرا فإنّ بعضهم لجأ إلى مسألة القضاء و القدر بمفهومها المحرّف، أو إلى