لا محالة، فأهم مسألة في هذا الطريق هي معرفة الحق و الباطل، معرفة الحسن و
القبيح، معرفة الصديق و العدو، معرفة الفوائد و الأضرار، معرفة عوامل السعادة و
الضياع، فإذا استطاع الإنسان معرفة هذه الحقائق جيدا فسيسهل عليه الوصول إلى
الهدف.
إنّ المشكلة التي تعترض الإنسان غالبا هي خطأه في تشخيص الباطل و اختياره على
الحق، و انتخاب العدوّ بدل الصديق، و طريق الضلال بدل طريق الهداية، و هنا يحتاج
الإنسان إلى بصر و بصيرة قويّة، و وضوح رؤية. إنّ هذه الآية المباركة تقول: إنّ
هذه البصيرة ثمرة لشجرة التقوى. أمّا كيف تعطي هذه التقوى البصيرة للإنسان؟ فقد
يكون الأمر مبهما لدى البعض، لكن قليلا من الدقّة و التأمل كافية لتوضيح العلاقة
الوثيقة بين هذين الإثنين، و لإيضاح ذلك نقول:
أوّلا: إنّ قوّة عقل الإنسان تستطيع إدراك الحقائق بقدر كاف، و لكن ستائر من
الحرص و الطمع و الشهوة و حبّ النفس و الحسد، و الحبّ المفرط للمال و الأزواج و
الأولاد و الجاه و المنصب كل ذلك يغدوّ كالدخان الأسود أمام بصيرة العقل، أو
كالغبار الغليظ الذي يملأ الآفاق، و هنا لا يمكن للإنسان معرفة الحق و الباطل في
أجواء مظلمة، أمّا إذا غسل تلك الغشاوة بماء التقوى و انقشع ذلك الدخان الأسود،
عند ذاك تسهل عليه رؤية نور الحق.
ثانيا: أنّنا نعلم أنّ كل كمال في أي مكان إنّما هو قبس من كمال الحق، و كلّما
اقترب الإنسان من اللّه فإنّ نور الكمال المطلق سينعكس في وجوده أكثر، و على ذلك
فإنّ أي علم و معرفة فهو نبع من علمه و معرفته تعالى، و كلّما تقدّم الإنسان في
ظلال التقوى و ترك المعاصي من اللّه، ذابت قطرة وجوده في بحر وجود العظيم أكثر، و
سيحصل على مقدار أكثر من العلم و المعرفة.
و بعبارة أخرى فإنّ قلب الإنسان كالمرآة، و وجود اللّه كالشمس الساطعة على
الوجود، فإذا تلوثت مرآة قلبه من الأهواء حتى اسودت، فسوف لا تعكس