لقد حاول بعض الناشئة عمل قياس منطقي من هذه الآية و الخروج منه بنتيجة
لصالحهم، فقالوا، إنّ القرآن يقول في الآية: وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ. و قال أيضا: وَ لَوْ
أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ. فيمكن الاستنتاج من هاتين الجملتين الجملة التّالية و هي: لو علم اللّه فيهم
خيرا فهم سيعرضون.
و هذا الاستنتاج خطأ محض.
و قد أخطأ هؤلاء لأنّ معنى جملة: وَ لَوْ
عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ. في قسمها الأوّل هو: لو كان لهؤلاء قابلية فسيوصل الحق لأسماعهم، و لكن
القسم الثّاني معناه أن هؤلاء إذا لم تتهيأ لهم القابلية للهداية فسوف لن يستجيبوا
و سوف يعرضون ...
و النتيجة أن الجملة المذكورة آنفا وردت في الآية بمعنيين مختلفين، و على هذا
لا يمكن تأليف قياس منطقي منهما ... [1] (فتأمل).
و هذه المسألة تشبه من يقول: إنّني لو كنت أعتقد بأنّ فلانا يستجيب لدعوتي
لدعوته، لكنّه في الحال الحاضر إذا دعوته فسوف لن يستجيب، و لذلك فسوف لن أدعوه
...
2- لاستماع الحق مراحل
إنّ الإنسان قد يسمع أحيانا ألفاظا و عبارات دون التفكير في مضامينها، إلّا
أنّ بعضا لفرط لجاجتهم، كانوا يرفضون حتى هذا القدر من السمع، كما يقول
[1] و بحسب اصطلاح المنطق أنّ الحدّ
الوسط غير موجود في القياس آنفا، لأنّ الجملة الأولى هي (لأسمعهم حال كونهم يعلم
فيهم خيرا). و الجملة الثّانية (لأسمعهم حال كونه لا يعلم فيهم فهما) و النتيجة
أنّ الحدّ الوسط المشترك غير موجود بين الجملتين لتمكين تأليف القياس منهما، لأنّ
الجملتين مختلفتان و منفصلتان (فتأمل).