الحق و نداء السعادة، كمن لا أذن له و لا سمع لديه، و الذين لهم ألسنة سالمة
لكنّها ساكتة عن الدعوة إلى الحق و مكافحة الظلم و الفساد، فلا يأمرون بمعروف و لا
ينهون عن منكر، بل يضيعون هذه النعمة في التملق و التذلل أمام الطواغيت أو تحريف
الحق و تقوية الباطل، فهؤلاء كمن هو أبكم لا يقدر على الكلام، و كذلك الذين
يتمتعون بنعمة الفكر و العقل و لكنّهم لا يصححون تفكيرهم، فهؤلاء في عداد
المجانين.
و تقول الآية بعدها إن اللّه لا يمتنع من دعوة هؤلاء إن كانوا صادقين في طلبهم
و على استعداد لتقبل الحق: وَ لَوْ
عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ.
و قد ورد في الرّوايات أنّ بعض عبدة الأصنام جاءوا النّبي صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم و قالوا: إذا أخرجت لنا جدنا الأكبر (قصي بن كلاب) حيّا من قبره، و شهد
لك بالنبوة، فسوف نسلّم جميعا! فنزلت الآية لتقول: إنّه لو كان حديثهم صادقا لفعل
اللّه ذلك لهم بواسطة المعجزة، لكنّهم يكذبون و يأتون بأعذار واهية، بهدف التخلص
من الإذعان لدعوة الحق ...
و يقول تعالى: وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ
هُمْ مُعْرِضُونَ.
فالذين سمعوا دعوة الحق كثيرا، و بلغت آذانهم آيات القرآن، و فهموا مضامينها
العالية، لكنّهم أنكروها بسبب عتوهم و عصبيّتهم، فهم غير مؤهلين للهداية لما
اقترفت أيديهم، و لا شأن بعدئذ للّه و رسوله بهم، فهم في ظلام دامس و ضلال بهيم.
كما أنّ هذه الآية تعد جوابا قاطعا للقائلين بمدرسة الجبر، لأنّها تقرر بأن
يكمن في الإنسان نفسه و أنّ اللّه يعامل الناس بما يبدونه من أنفسهم من استعداد و
قابلية في طريق الهداية.